التحوّل الحقيقي فقط بـ”حرية الشعب”
لتعزيز وهم انتصار الفاشية الأسدية بنازيتها الميليشياوية القاتلة للشعب السوري، جاءت خطوات تطبيع نظم الفشل والتبعية العربية معه، كتتويج لتآمرهم وتنفيذٌ لخطط لطالما وضعتها لهم جهات دولية مشرفة على أدائهم وتوجيه “عمالتهم المزمنة”، ولتعزيز هزيمة مطالب الحرية والتغيير أمام الاستبداد ووحشية هذه النظم وميليشياتها المرتزقة المتحالفة معها، فلا شك في أن المسمار الأخير بجثمان الثورات العربية التي تقدمَها شابات وشبان 2011 يشهد صفحة النهاية، مرحلياً على الأقل، وتجلت ذروتها المشهدية في “لمة جدة” لزعماء التسلط العربي، فكانت استقبالاً احتفائياً لدمويٍ قاتلٍ مأجور أيضاً لحماية عروشهم البائدة من التغيير والثورة، فكانت “اللمة” بمثابة ستار النهاية لمشهدية الصفحة المفجعة.
هذا يعيدنا للأسئلة الكبرى المؤجلة، فكيف نخرج من الانحطاط “الوطني والقومي” الذي تراكم حتى بات متجذراً بمثابة بنى سياسية طائفية وثقافية واقتصادية استحوذت الفضاء العربي كله؟! ومع تمدد الطور المُعتم والمسدود للمنطقة، المُقلق بالمعنى الوجوديّ، هل كانت أكلاف الثورات، بعد سحقها وتدميرها أكبر من أن تتحملها أجيالٌ هتفت وحشدت وهُجّرت وسُجنت وقُتلت وحلُمت وتحطمت طيلة السنوات الماضية؟!.
لقد كانت الهموم مشتركة لأحرار وثوار موجة الثورات الأولى من مصر وتونس وسورية وليبيا واليمن، ولاحقاً لأحرار وثوار الموجة الثانية في العراق والجزائر والسودان ولبنان، ثوراتٌ بدأت سلمية تطرح أفكاراً تغييرية من حرية وعدالة اجتماعية، قبل أن تنقلب القوى الحاكمة والمتشددة عليها ويتبدى تحالفها جميعاً ضد شعوبنا.
تهدف عودة نظام الجريمة الأسدي إلى “جامعة عربية ميّتة” أصلاً، للاحتفاء بانتصار الاستبداد، هذه الحقيقة يحاول مؤيدو “العودة” عقلنتها بالمداورة والكذب بأنها “براغماتية”، لكنها ليست سوى تلخيص للتضامن بين ديكتاتوريي المنطقة وتقديمهم الجماعي للاستبداد على أية إصلاحات أو تغيير وتحرر، ولا تعني العودة إلى جامعة “ميّتة” لأكثر من 12 عام أي شيء، فوجودها مثل عدمه ولا أثر لفعلها على أرض الواقع، ولم يسجّل أنها أتت بأي فعل أو مبادرة واحدة تُحسب لها تحدُ من القتل والجرائم المنتشرة في المنطقة العربية، من ليبيا إلى اليمن مروراً بسورية والعراق والجزائر والسودان من دون الحديث عن فلسطين التي أصبحت نسياً منسياً في أضابير هذه “الجامعة” التي تحوّلت مجرد قوقعة فارغة لموظفين لا أحد يعرف ما يقومون به، وإن تطبيع الأنظمة المنضوية تحتها مع نظام كنظام بشّار أسد الملطخة يديه بدماء السوريين يسيء إليها ويُفقدها ما تبقى لها من مصداقية، إن بقي لها فعلاً شيءٌ يمكن أن تصدق فيه لدى الشعوب العربية، ويكفي أن نرى اليوم الأنظمة المُتحمسة لعودة هذا النظام الدموي المارق لصفوف هذا المركب الغارق، لتتّضح الصورة!
فإن ما يجري هو تبييض مرفوض لنظام مجرم قتل شعبه وشرّده، وفقد كل شرعية سياسية وأخلاقية وقانونية تسمح له بتمثيل ضحاياه في أكبر مجمع عربي رسمي، وأكثر من ذلك، أنه إعادة ترميم بناء نظام عربي قديم يحاول تضميد “جراحه الشعبية” وتبييض سجلاته من الجرائم التي ارتكبها، طوال ما ينوف عن 12 عام بحق الشعوب التي يدّعي تمثيلها، وكانت صورة بشّار أسد في القمّة “اللمة” جالساً على الطاولة نفسها التي تحلقَ حولها ملوك الأنظمة العربجية وأمراؤها ورؤساؤها أكبر عنوان على انتصار النظام العربي القديم، نظام أنظمة القمع والاستبداد المضاد للحرية والتغيير، وإعلانٌ “رسمي” عن إغلاق آخر قوس لموجة “الربيع العربي”، على وقع شبه انتصار للثورات المضادّة، بانتظار الموجات القادمة من الثورات الديمقراطية، لأن الشعوب العربية لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، وحتمية التاريخ لا تصنعها الأنظمة المُنهزمة، وإنما الشعوب التي ترفض التطبيع مع كل أشكال القمع والاستبداد وتنتصر للحرية والديمقراطية والتغيير.
فالتطبيع مع نظام أسد لن يغير شيئاً من معاناة السوريين على أرض الواقع ولن يغير شيئاً من سجل النظام الإجرامي على مدى العقود الماضية، لكنه يعني شيئاً واحداً أن العالم العربي فاسدٌ سياسياً وأخلاقياً في قيمه وطريقة حكمه، وأن تطبيعه مع نظام أسد مؤشر آخر على مدى التأخر والتدهور الحقوقي، حيث يتم الترحيب بقاتل ومجرم من طبيعة ذاك النظام، وكل ذلك يحصل برضا غربي ضمني مهما تباينت الرسائل!
ومع ازدياد الصعوبات والتحديات فإن إصرار شعبنا السوري تتزايد بعزيمة أشد على مواصلة الطريق لنيل الحرية وتحرير سورية وبخاصة من نظام آل أسد وحلفائه المجرمين وبناء دولة المواطنة وسيادة القانون التي تليق بنضالات وتضحيات شعبنا السوري العظيم.
كاتب سوري