انطلق الفكر السياسي الغربي ومازال من مقولة ومسلمة، تقول إن شعوبنا العربية تعاني من نقصٍ حاد بكل شيء؛ إنه كلامُ حقٍ أريد منه كل الباطل، فمن خلال ما آلت إليه أوضاع شعوبنا بفضل تبعية الطغم المستبدة والعسكريتاريا الفاشية العربية لهم، والذي أوصلوا به حالنا لهذا القبول ببعض ما يروج له من هراء وتكاذب دولي لحل قضايانا وأزماتنا التي أوصلونا إليها، جميعهم، و خاصة ما آلت له القضية الفلسطينية؛ التي تحولت بفضل عمالات ومصالح أهل الحكم بالبلدان العربية بعد حصارهم للدور النهضوي الذي كان واعداً منتصف القرن الماضي وخوفهم من نجاحه بوحدة الأمة والهدف، وصولاً للإجهاز عليه بعد هزيمة 67 وفتح الطريق لعصر الردة والنكوص الذي أوصلنا لما نحن فيه خلال هذا الربيع الديمقراطي العربي؛ دون استثناء لأحد من تلكم السلطات العميلة، الفاسدة والمفسدة، المرتبطة فقط بكل ما يؤدي لديمومة تسلطها وقهرها لتطلعات وآمال شعوبنا العربية بالحرية والانعتاق من أسر التخلف والتبعية والأغلال والنهب الممنهج للثروات، ذلك عن طريق وحيد هو الاستقلال الحقيقي للشعوب والأوطان وبالتالي لجماع الأمة.
لطالما عانت شعوبنا العربية جمعاء من النقص الحاد والانتقاص المُمنهج في كل شيء؛ مع وجود الطلاء والتجميل لأشكال مزيفة من البحبوحة والموارد ورتوش الغنى الزائف المرتبط بالبنك الدولي وسياسات الانفتاح الذي رُوج له طويلاً عبر الارتباطات التامة بالإدارات الأمريكية المتعاقبة والأوربية أيضاً، وكل ما يرتبط بذلك دولياً ليحقق خراب الأوطان والنفوس فيها لتكون مرتبطة ومُصغية لهرطقات ودجل أروقة صنع القرار الدولي وتداعياته، هذا النقص بكل شيء؛ في المواد والمال والحياة والعمل ومفاعيلها السياسة، ناهيكم عن انعدام الحرية والكرامة، ما كان لينجح بالشكل الذي أفضى إليه دون التنسيق التام بين سلطات الأمر الواقع العربجية وتلكم الإدارات الدولية، التي وجدت بتنفيذ خططها الصهيونية وسياساتها الامبريالية أن فرص شراء الذمم والضمائر على المستوى الوطني والاقليمي باتت ممكنة لبيع الأوطان؛ وأن الصفقات يجب قطف ثمارها على حساب الشعوب، وخاصة شعوب أمتنا العربية، في كل موطن ثار لنيل حقوقه وتحقيق استقلاله الناجز والذي تم قطعه مؤقتاً عبر تلكم السياسات والارتهانات لموجبات بقاء طغم وظيفية لإضفاء مشروعية على أمر واقع مشبوه ونتاج عمالة تاريخية.
الانتقال الديمقراطي نحو دولة المواطنة والعدالة يبدأ بإعادة التوازن داخل بنية الدولة بين القوى السياسية والمجتمعية والعسكرية أيضاً؛ فبعد مرور أكثر من ثمان سنوات على ثورات الربيع العربي، وما تلاها من انتكاسات، نجد أن كل شيء غير طبيعي ولا يمكن أن يستمر كونه غير طبيعي؛ لأنه معاند للتاريخ والوقائع التاريخية، وبالتالي فكل محاولات التذرر المجتمعي وتغيير الهوية لا يمكن أن تنجح بجميع الصفقات المطروحة.
مؤتمرات ولقاءات ومنتديات، بل مؤامرات، يتم الدعوة والتداعي لها لقطف ثمار ونتائج سياسات تقاطعت مع رغبات الطغم الحاكمة بالاستمرار في تعدياتها وقمع شعوبها وصولاً لرعاية إبقائها بعد كل القتل والإبادة التي مارستها عبر عقود، بددت خلالها الموارد والطاقات البشرية كلها، بخطط ما كان لها أن تنفذ دون الرغبة الدولية بإدارة الأزمات، عبر شعارات توارت خلفها تتمثل بادعاءات حقوق الإنسان والطريق الديمقراطي للتنمية وإدارة الموارد البشرية ؛ وكلها شعارات أثبتت زيف ادعائهم لها، ولنا بمفاعيل وتداعيات ثورتنا السورية العظيمة شاهدٌ على بؤس وزيف ما ادعوا.
فكم من التريليونات تم تبديدها؟ وكم من الأرواح تم زهقها؟ وكم من السياسات والادعاءات المزيفة تم تمريرها؟ وكم من خطط التنمية نفذت فقط لترضي رغبة اليانكي البشع وربيبته الصهيونية التي تحتل فلسطين؟ وهل كان كل ذلك ليتم إلا عبر غياب الإرادة الوطنية وتدجينها؟
فمن المصالحات المعلنة والخفية مع العدو التاريخي لأمتنا وشعوبنا في فلسطين المحتلة، إلى المصالحات الخفية والمعلنة مع ظفرهم الأسد فارسي الإبادي في سورية؛ أشكالٌ متشابهة لخدمة ديمومة الاحتلال وبيع الأوطان في كلٍ من فلسطين والأحواز، وإن المراقب الفطن للقاءات مسؤولي الأمن الدوليين مع راعيهم في القدس منذ أيام ونتائج لقاءات قمة الـ 20، وقبلها المنامة، الاقتصاديتين. وكذا اللقاءات الموعودة بخصوص سورية في الأيام القادمة التي تؤكد أنهم يحثون الخطى لتنفيذ رغبة صهيونية عبر نوع من التداول العسكري على السلطة في جميع دول الربيع العربي،
باعتبارها الكفيلة بضمان الترابط الإبادي بين الكيانات الغاصبة ووكلائهم في بلداننا فهل إلى فكاكٍ من سبيل؟
عبد الباسط حمودة
كاتب سوري