دجاجات بشار الأسد وعريس ابنة الفقير


الكرم طبع، والطبع تحت الجلد كما يقول العامّة، يستمر نظام بشار الأسد بسلسلة عطاياه للسوريين وآل قتلى الجيش وجرحاه، وبدأت حكاية "الديّة" أو إن شئتم سمّوها منحة، من معزاة، تمنح لكل أسرة سورية فقدت ابنها قتيلاً وهو يحارب الثورة والسوريين إلى جانب نظام الأسد.

بيد أن عدد القتلى ارتفع، وثمة من يقدره بنحو 140 ألف قتيل، بالمقابل ثمة تراجع كبير بالثروة الحيوانية في سورية، ما اضطر حكومة الأسد لإعادة النظر بالمنحة، فكانت ساعة جدارية محلية الصنع البديل، وهي متوفرة، بل لا خوف من نفاد الكمية مهما ارتفع عدد قتلى الجيش الباسل.

وفعلاً، ثبّت النظام المنحة وخصص للأمر، ضباطاً أمراء "رفيعي الرتب" ليقوموا بالمهمة، تقديم العزاء لآل القتيل إلى جانب ساعة جدارية والتقاط عشر صور، نصفها بوضعية المزهرية، أي سكوناً دونما أي إيماءة أو تعبير جسدي، والخمس المتبقية، لآل القتيل الحرية بأخذ الوضعية خلال التصوير، كما لكاميرا التلفزيون الرسمي ووكالة سانا للأنباء، الحق ببث الصور التي يريان أنها مناسبة.

لكن، بقيت هدية الجريح وآله، فالإصابة حتى لو بلغت بتر أحد الأطراف، لا تستأهل - من منظور الأسد طبعاً - معزاة أو ساعة، فكان الحل بعد اجتماع رئاسة مجلس الوزراء، لدى وزارة الاتصالات التي أوعزت للشركة السورية للاتصالات التي بدورها أصدرت مطلع العام الجاري قرارين، تضمّنا منحاً مجزية لجرحى الجيش، ولكن ليس "عام طام" بل لكل نوع إصابة ونسبة عجز، هدية تناسبها. 

ذيلت المؤسسة الحكومية القرار، بما يلزم من شعارات وخطابات، من قبيل "في إطار التزام الشركة السورية للاتصالات بدعمها لأفراد الجيش العربي السّوري، الذين ضحّوا بالغالي والنفيس لتبقى سورية صامدة في وجه الحرب الإرهابيّة، أصدر مجلس إدارة الشركة السورية للاتصالات قرارين":

الأول يتضمن منح جرحى جيش النظام ممن تبلغ نسبة إصابتهم 50 بالمئة فما فوق، إعفاءً من رسوم تركيب الهاتف الثابت، التي تبلغ قيمتها 2500 ليرة سورية "نحو 4 دولارات"، بالإضافة إلى 130 مكالمة محليّة و20 مكالمة قطرية مجانية شهريّاً، وتخفيض أجور الاتصال من الهاتف الثابت إلى الموبايل من 13 ليرة إلى 11 ليرة، وأضافت أن المنحة تتضمن أيضاً تخفيضاً على الاشتراك الشهري بحزم الإنترنت يصل إلى 600 ليرة سورية!

وأما القرار الثاني الذي يخصّ من إصابتهم دون 50%، فتضمن 130 مكالمة، ولكن محلية فقط، إضافة للموافقة على إقامة دورات تدريبيّة مجانية، في المراكز التدريبيّة العائدة للشركة.

وربما يسأل قارئ، وهل انتهت هنا منح وعطايا الأسد؟ سنأخذ السؤال على حسن نية، رغم جميع من يشكك بأداء نظام الأسد، إنما هدفه الإساءة وليس من أدنى شك، أنه متآمر ويدور بفلك المؤامرة الكونية، ونقول: لا لم تنته العطايا، بل هذه المرة عامة وليس شرط الحصول عليها، أن يكون لدى الأسرة السورية قتيل أو حتى جريح.

ففي الأمس، قرر مجلس وزراء الأسد، وخلال جلسة استثنائية، تخصيص مليار ليرة سورية "2.3 مليون دولار" لتقديم منحة مجانية للأسر الريفية، تشمل 15 دجاجة بياضة مع 50 كيلوغراماً من العلف، والهدف، بحسب بيان المجلس، هو تشجيع تربية الدواجن المنزلية وتمكين الأسر الريفية اقتصادياً.

نتمنى عدم متابعة التشكيك وطرح أسئلة، من قبيل، كيف للدجاجات العشر "من دون ديك حسن الصوت" أن تمكن الأسر السورية اقتصادياً، والرواتب والأجور مثبتة عند 40 ألف ليرة، ومراكز الأبحاث بدمشق، تقدر الحدّ الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة 270 ألف ليرة، لأننا سنتأكد وبالأدلة، أن من يدسّ أسئلة كهذه، إنما ينتمي، ليس لجوقة المؤامرة الكونية، بل لمن يحاولون وهن نفسية الأمة أيضاً.

نهاية القول: لتكتمل مسرحية الدجاجات، كتبت مواقع وصحف موالية لنظام الأسد بدمشق، عن أهمية هذه المنحة في تحسين معيشة السوريين وردم فجوة الثروة الحيوانية، بل وصل الأمر بأحد أبواق الأسد، أن حسب عدد البيض التي ستبيضها دجاجات الأسد على مدى عام، وحسب ثمنها ليصل إلى "نورد حرفياً ما كتبه موقع موال بدمشق"، "من يحصل على هذه الدجاجات يصير بإمكانه فعلاً أن يحصل سنوياً حسب تقديرات الفاو على / 280 × 15 = 4200 بيضةـ إن اهتمّ بتربيتها بشكل جيد، وهذا العدد من البيض تصل قيمته إلى نحو / 200 / ألف ليرة سورية، ومع الأيام يزداد عدد الدجاجات وعدد البيض، ليجني من خاض هذه التجربة الجميلة مكاسب إضافية من اللحم أيضاً".

ولذلك مهما سخر بعض الشباب من هذه المنحة، ومهما ركّزوا عقولهم في تدبيج التعليقات الساخرة، والمضحكة أحياناً، فإن هذا لا يُغيّر في الأمر شيئاً، فالمشروع بمنتهى الأهمية، ويساعد أبناء الريف فعلاً على تأمين بعض حاجاتهم وتمكينهم اقتصادياً إلى حدّ ما" انتهى الاقتباس.

وحينما منّ الله علينا وقرأنا سلسلة البيض وما ستحققه من أرباح، قفزت إلى الذهن حكاية: يروى أن فقيراً وضع قفير نحل "خلية" أمام كوخه على جبل خلال فصل الربيع، وفعلاً أثمرت تجارته فجنى جرة من العسل، فعلقها أمامه وجلس يحلم وبيده عصاه، فأغمض عينيه وبدأت سيناريوهات الأغنياء تجتاحه، فتمتم، الآن جرة عسل، أي بعد عام 10 جرار، ثمنها ألف ليرة، أعيد بناء المنزل وأتزوج من فتاة جميلة، وسأكثر من الإنجاب ليعينني الأولاد على تربية العسل ومضاعفة الأرباح، وستكبر ابنتي ويذيع صيتها، جميلة وأبوها غني وتاجر عسل، فيأتي شاب غني برفقة أهله ليطلب يدها، فأطلب مهراً مرتفعاً لأوسع أعمالي بتربية وتجارة العسل، وما إن يرفض العريس عرض المهر المرتفع، أضربه بعصاي وأطرده، وأومأ بالعصا وإذ به يكسر جرة العسل.

 

 

 عدنان عبد الرزاق

صحافي وكاتب سوري

 
 
Whatsapp