إنه سبب مقنع لعدم استطاعتي أن أكون الآن معك لن يسألك أحد بعد: أين هو.
الموت ليس استسلاماً ولا غياباً، فالغياب أن تكون بعيداً وأنت حي، الموت استرداد لحقك الضائع في الحياة، والإثبات الوحيد على أنك كنت تعيش هو أن تموت فالأحياء فقط يموتون، أما الموتى فلا يموتون.
* سأظل أهرب منك في كل مكان، سأختبئ منك في الشوارع خلف الشاحنات وفي المتاجر، سأختبئ خلف علاقات الثياب وأنا أراقبك من المرآة، سأختبئ في أي معطف معلق ولن أمنحك الفرصة للاعتذار.
ستعتذرين من التراب وقد تعترفين له بأنك تأخرت كثيراً، أما أنا فلن آبه لأحاديثك مع الحجر الواقف وقد أكون حينها بعيداً جداً عن جسدي، سأكون حراً وغائباً كالموتى.
* لا أنتظر شيئاً منك فالموتى لا ينتظرون، خذي وردك معك ضعيه في الأصيص واجلسي خلف النافذة، لن أعبر الشارع بسيارتي فالموتى أناس فقدوا حقهم في قيادة السيارات، وتم إتلاف إجازاتهم في دائرة المرور، قد تعبر سيارتي تحت النافذة ولكن دون أن ينظر إليك سائقها الذي اشتراها من تاجر عربي ولا يعرف شيئاً عن صاحبها، ولا يعرف شيئاً عن الأحاديث التي دارت قبله داخل هذه السيارة التي مات صاحبها وتركها مركونة لأيام إلى جانب الطريق، تماماً كتلك الشاحنة التي مات بداخلها عشرات النازحين وظلت مركونة لأيام على حافة الطريق دون أن ينتبه لها أحد .
الموت في هذه البلاد يشبه الموت في تلك الشاحنة والحياة في هذه البلاد تشبه اللحظات الأخيرة في تلك الشاحنة، لا أحد ينتبه لموتنا هذا يعني أننا لم نقدم جديداً أي كنا موتى ومتنا ولهذا مر خبر موتنا عادياً جداً.
* لن أعود هذا وعد من رجل مات عدة مرات وأكتشف أن الموتى لا يعودون وأكتشف بالصدفة أيضاً أن صوتهم لا يذهب خارج حدود المقبرة.
ستعتذرين من التراب، من الأماكن التي جمعتنا معا، من الأصدقاء المشتركين، وحين سيذكر اسمي سينظر الجميع إليك رغم أني ميت منذ زمن، ستعتذرين من ثيابي التي تبرعت بها لحاويات الصليب الأحمر، ستقولين في سرك: لم أكن أعرف أنه يموت.
*الموت فرصة للخلاص، للإعتراف لأول مرة بالحاجة لشخص كان بعيداً فصار أبعد.
الموت هكذا ببساطة بيتٌ ينتقل إلى المقبرة لا أحد يطرق بابه بالخطأ ليسأل عن بيت ما.
الموت هو هذه العبارة التي تظهر وانت تلعب.Game Over .
نعم game over أيتها الحياة السعيدة أيتها الأبواب الموصدة.
* سأظل أهرب منك إلى أن تصير حياتك طبيعية بدوني وكأنني لم أكن يوماً، لدرجة أنه قد يخطر ببالك اسم قطة جارتك القديمة ولن يخطر اسمي ببالك، لست أحتاج بعد الآن ليديك الدافئتين فالموتى لا يشعرون بالبرد ولست أحتاج نصائحك القاسية، ولم يعد إهمالك يسبب مشكلة لي، فالموتى مهملون بالفطرة.
لن نمنحكم فرصة الاعتذار سنترككم تعيشون عذاب الخطيئة ولتهترئ أكتافكم من ثقل الذنوب.
لك الحياة بكل صخبها ولي الموت بكل سباته العميق..
لي الصمت، لي الظلام، لي الوحدة الخالدة تحت التراب، ولي الأزهار التي ستنبت وحدها للعصافير، ولك الأضواء.
لسنا بحاجة لأن يدافع عنا أحد وهذه إحدى صفاتنا، لا يهمنا ما قلتم وما ستقولون عنا، فنحن موتى
لا نحمل صفات البشر نحن أسياد التراب وملوك الظلام، نحن الذين تركوا كل شيء خلفهم ومضوا تاركين السؤال القديم:
لماذا ماتوا على عجل؟!.
محمد سليمان زادة
شاعر وكاتب سوري