لماذا لا تتفوهون بكلمة واحدة لمن يحاصرون تركيا؟


 

يا من تحاولون التغطية في الداخل على نجاح تركيا في الخارج ويا من يعلقون آمالهم السياسية على أزمة إس-400 والعقوبات الأمريكية، لماذا لا تتفوهون بكلمة واحدة لمن يحاصرون تركيا؟، وإلا هل حرضوكم للتحرك من أجل الجبهة الجديدة التي ستفتح بعد الحرب السورية؟

تواجدنا في اليابان على مدار أسبوع كامل لمتابعة مباحثات الرئيس أردوغان في قمة مجموعة العشرين، وسنحت لنا فرصة المتابعة القريبة لقمة أوساكا ثم المباحثات التركية - اليابانية الخاصة في طوكيو، وبعد ذلك انتقلنا إلى الصين لحضور اجتماعات التشاور حول العلاقات التركية - الصينية.

تخوض تركيا كفاحًا في سبيل التخلص من التبعية أحادية الجانب للغرب وبناء مستقبلها الحرب، على أن تكون قادرة على قراءة ميول خريطة القوى العالمية لتتخذ مواقفها وتعيد تأسيس إمكانياتها وفقًا لذلك، وكذلك تسعى لاستغلال الفرصة التي تقدمها هذه الحقبة الزمنية لتستطيع العودة إلى مجال قوتها الخاصة، وهو ما يعتبر حسابًا يعود تاريخه إلى مئات السنين، ولقد صمدنا وقاومنا ودفعنا الثمن في سبيل هذا الحساب على الدوام في أراضي الأناضول وهذه الديار منذ أيام السلاجقة وحتى اليوم.

لم نستسلم بل صبرنا

لن نطأطئ رؤوسنا للعقوبات، لقد كانت الحماية والوصاية والأسر والتبعية أحادية الجانب أشياء متناقضة مع جيناتنا السياسية التاريخية، لكننا كنا ضعفاء من دون أية إمكانيات، ولقد عشنا حالات تدمير شديدة وكنا عاجزين عن رفع رؤوسنا لمائة عام، لم نستسلم أو نركع، فقط صبرنا لنتحين حقبة تاريخية جديدة ولنتمكن من العودة إلى مركزنا مجددًا.

لقد تحركنا عندما قدم لنا التاريخ هذه الحقبة، وأطلقنا كفاحًا من أجل استعادة القوة والانفتاح مجددًا على منطقتنا، ذلك أننا كنا أمة تصنع التاريخ وتبني الجغرافيا، وفي ذلك الوقت تحديدًا رجع العالم الغربي الذي نتواجد معه في المحور ذاته إلى تاريخه السياسي مع الدولة العثمانية الذي يرجع لمئات السنين، ليبادر إلى تقييدنا وإيقاف تقديمنا ومعاقبتنا.

الحصار من الخارج والاستهداف من الداخل

لا يمكننا الابتعاد عن القوى الصاعدة، كانوا يريدون أن نظل ضعفاء كالرهائن بين أيديهم، ولهذا بدأت الهجمات تتالى في اللحظة التي بدأت فيها مقاومتنا، كما حرضوا الكيانات التي رعوها في الداخل لسنوات من أجل حصارنا من الخارج واستهدافنا من الداخل وتنفيذ كل أشكال الانقلابات والتدخلات وتصفية كل من يرسمون خريطة طريق جديدة لتركيا.

ولقد جربوا العديد من الطرق من الإرهاب إلى الهجمات الاقتصادية، ومن مساعي تغيير السلطة إلى محاولات اغتيال زعيم هذا البلد.

لكن كان هناك عالم آخر يتطور ويسطع نجمه، وكان المحور الأطلسي يفقد للمرة الأولى بعد قرون سيطرته المطلقة، وكان الشرق يشهد صعود قوى جديدة عظمى، ليتغير المحور الأساسي لكيان السلطة العالمية، وما كان لنا أن نبتعد عن هذه القوى الصاعدة في الوقت الذي نتعرض فيه لضغوط من الغرب، فكان علينا أن نكون حاضرين في خريطة القوى العالمية الجديدة، ذلك أن هذا التبدل في القوى العظمى كان يمنحنا تلك الحقبة والفرصة التاريخية.

كانت القمة تسير بنجاح فضغطوا على الزر لتقوم القيامة فجأة من الداخل وبينما كل هذا كان يحدث أطلقوا حملة تنظيمية للمقاومة الاستثنائية في الداخل؛ إذ لم يكفيهم الضغط على تركيا في شرق المتوسط وشمال سوريا وجزر بحر إيجة وبلدان أوروبا الشرقية وحتى أبعد نقطة غرب المتوسط، بل بدأوا محاولاتهم لتجربة طرق جديدة للتدخل من الداخل، لقد رأينا الكثير من نماذج هذه المحاولات، كما شهدنا أحدث هذه المحاولات خلال قمة العشرين الأخيرة.

كانت تركيا تؤسس علاقات وثيقة مع روسيا والصين والهند ودول آسيا عموماً؛ إذ كانت طموحات هذه البلدان مشتركة لمواجهة الغرب، وكانت القمة والمباحثات الثنائية التي عقدت على هامشها تحمل آثاراً إيجابية للغاية. كما أقيم لقاء أردوغان - ترامب وسط أجواء مليئة بالتفاؤل بشكل لا يصدق.

وفي لمح البصر قامت القيامة ولم تقعد داخل تركيا، وأشعل مجدداً فتيل الفتنة ضد السوريين، ليتحرك مجدداً معارضو أردوغان سياسياً، ولقد تصاعدت وتيرة الأحداث بشكل سريع ومكثف لدرجة أنه كان واضحاً أن البعض حاول الإلقاء بظلال هذه الأحداث على التطورات الرائعة التي شهدتها قمة اليابان، ولهذا كانوا يحاولون تضليل الرأي العام.

هناك من علقوا آمالهم على أزمة إس-400 والعقوبات الأمريكية

ذلك أن هؤلاء لم يكونوا يتحركون وفق أجندة تركيا، بل كانوا يروجون في الداخل لأجندات أخرى، كانوا يريدون لأزمة صواريخ إس-400 وحصار طائرات إف -35 أن يستمر، بل والأدهى من ذلك أنهم كانوا يأملون أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات على تركيا وأن ينهار الاقتصاد التركي وتصبح الحكومة في وضع سياسي صعب.

وهو ما يكشف أمامنا النقاب عن حقيقة خطيرة مفادها أن المعارضة الداخلية في تركيا تبني كل أطروحاتها على "معاقبة تركيا من الخارج"، فهذا الموقف السياسي لا يمكن أن يكون وطنياً أبداً، فهذا التدخل من الداخل يعتبر مخططاً لزيادة الضغط الخارجي على تركيا في المستقبل القريب ويرمي لتمهيد الطريق لما سيحدث في منطقة شرق المتوسط.

تركيا تبدو عظيمة عندما ننظر من الخارج، وهناك من يلقون بظلالهم على هذه العظمة

إن "النقد الممنهج" الموجه مؤخراً لأردوغان ومن حوله يعتبر كذلك جزءاً من هذا المخطط، كما أنه عملية ذهنية ومحاولة مبنية على الجانب النفسي الاجتماعي تهدف لشل مجال السلطة المركزية في تركيا وكذلك العقل السياسي لحكومة حزب العدالة والتنمية، فهذا النوع من النقد بعيد كل البعد عن الانتقادات البريئة الموجهة للإصلاحات والتجديدات التي سينجزها الحزب بشكل داخلي.

عندما ينظر المرء إلى تركيا من الخارج يراها عظيمة، وهي العظمة التي تتمتع بها كذلك مكانتها على خريطة القوى العالمية وموقفها في خضم صراع القوى ومسيرتها نحو المستقبل وتأثيرها في منطقتها، ولهذا فنحن أمام محاولة داخلية تسعى للإلقاء بظلالها على هذه العظمة، بيد أن ثمة الكثير من تصفية الحسابات الشرسة في الخارج على المستويين الإقليمي والدولي، ولهذا فإن موقعنا وتصميمنا اليوم سيرسم ملامح مستقبل هذا الوطن لمئات السنين المقبلة.

محاولة انتقاص قدر من يكافحون من أجل تركيا، ليس هناك شيء كهذا في أي دولة أخرى

إننا نشهد في هذه الفترة العصيبة من تاريخنا محاولات هجومية ضارية للانتقاص من قدر من يجوبون العالم ويجدون مجتهدين لرفعة تركيا ويخوضون كفاحاً لكسر شوكة حلقة الشر المحيطة بنا.

وإذا كنا أمام محاولات لتضليل العقول بإقناعها بأن حب رئيس دولة ما يعتبر نوعاً من أنواع "المداهنة"، فهذا يعني أنه لا يوجد أي شيء بريء، ولا يمكن أن تشهد أي دولة محاولة كهذه من أجل "التدخل من الداخل"، ذلك أنه لا يوجد من سيرحب بشيء كهذا في أي دولة كما يحدث في تركيا.

إن هذا التدخل الداخلي يهدف لإعماء أعيننا وجعلنا نفوت قطار التاريخ، كما أنه يعمل على جر تركيا مجدداً إلى الجانب الضيق، فهو مخطط يرمي لتضييع الفرصة التي جاءتنا بعد مائة عام ولتقزيم تركيا، ولهذا علينا ألا نقع في هذا الفخ.

تعالوا نتذكر ما عشناه قبل قرن من الآن، ولنفكر قليلا في سبب وقوف الجبهة الدولية ضدنا اليوم مجدداً، ولنرى من في الداخل يكرر عبارات من ويحمل سلاح من.

المرحلة الجديدة من "جبهة تركيا" ما بعد سوريا: وفي تلك اللحظة يحرض البعض، فما السبب؟

لقد أقاموا "جبهة دولية كذلك في الداخل"، ولهذا علينا أن نأخذ حذرنا قبل أن ندفع الثمن غالياً، إن كل هذه الأمور ليست قضايا سياسية داخلية، ومن يقولون لكم هذا إنما يكذبون، لماذا احتشدت عشرات الدول في شرق المتوسط؟ لماذا حاصروا جمهورية شمال قبرص التركية؟ لماذا يقيمون قواعد للصواريخ في جزر بحر إيجة؟ لماذا هناك تناغم إلى هذا الحد بين هذه التطورات والتحركات التي تشهدها تركيا في الداخل؟

أدعو الجميع لإعادة النظر في كل الأمور بعد التخلي قليلا عن أحكامنا المسبقة والمسلمات التي نؤمن بها وحالات الخصام والكراهية والهويات السياسية التي نحملها، لأننا حينها فقط سنرى صورة مختلفة تماماً.

هناك عملية انتقال للمراحل التالية من "جبهة تركيا" ما بعد الحرب السورية، ولهذا علينا في هذا الوقت تحديداً أن ننظر لنرى أين يقف كل فرد ولصالح من يتحرك، لأن هذا واجب وطني.

لماذا لا تدعمون تركيا؟ لماذا لا تتفوهون بكلمة واحدة؟

لا ريب أن تركيا ستكسر هذا الحصار الدولي لتواصل مسيرتها التاريخية، وإن الثمن الذي سندفعه مرتبط بموقفنا في الداخل، فهو مرتبط بمدى تساهلنا مع العمليات الداخلية.

هيا تعالوا لنرد معاً على هذه التهديدات المحيطة بتركيا ونتخذ موقفاً مشتركاً إزاء قضية شرق المتوسط والخطر الموجود في بحر إيجة وقبرص، تعالوا نفشل سوياً جبهة شمال سوريا ونتعاون من أجل صفقة صواريخ إس-400 ومحاولات تركيا للدفاع عن أراضيها.

لكنهم لن يفعلوا هذا ولن ينبسوا ببنت شفة، ذلك أنهم يتحركون في مثل هذه القضايا الوطنية على جبهة أطراف أخرى، وهو ما يعتبر كفيلاً وحده ليبرهن على أن التدخل من الداخل إنما هو - في الواقع - هجوم من الخارج، ولا أدري إلى أي مدى أنتم مدركون لحجم هذا الخطر؟!، لم تعد أي مسألة قضية سياسية داخلية بعد اليوم.

 

 

إبراهيم كراغول

 

 

 

 
Whatsapp