إن حجم القوات والعتاد والدعم اللوجستي الذي حشدته تركيا ومازالت تحشده على حدودها مع سوريا وتأخيرها لعملية "منبج" لا يوحي بأنها فقط تريد تنظيف الشريط الحدودي (الكوريدور) كما أسمته.
الأمر تعدى ذلك، فتركيا قد استشعرت بأنها أضحت تواجه خطراً من قوى أكبر بكثير من PKK) وفرعها السوري "PYD" )، وبأن مؤامرة ما قد أحيكت لها في ذات الدهاليز التي أحاكت (لفتح الله غولن) حكومته الموازية ومحاولته الانقلاب على خيار غالبية الأتراك وعلى "العدالة والتنمية" وبمشاركةٍ من دول عربية وإقليمية (تابعة للرأس المدبر)، وما التناقض والتخبط الأخير في المواقف الدولية سوى دليلاً إضافيًا على أن تركيا هي المعنية، وأن حربهم عليها سوف تستمر (بالوكالة) وبأدوات محلية وإقليمية (اقتصادية وعسكرية) وبدعم خارجي متعدد الأوجه.
تركيا أفشلت لهم مخططين من أهم مخططاتهم التي رسموها لتنفيذ خارطتهم الجديدة للمنطقة.
الأول محاولة الانقلاب التي قادها "غولن" ولو قُدر لها النجاح لاختصرت عليهم الكثير من الوقت والجهد والتكلفة، أما المخطط الثاني الذي أفشلته تركيا من خلال سيطرتها على عفرين فهو إقامة دويلة محاذية لحدودها الجنوبية وممتدة من إقليم (كردستان العراق) وحتى شاطئ المتوسط بحيث توفر منفذاً بحرياً آمناً لثروات (شرق الفرات) و(الإقليم) بعيداً عن تركيا وعما تبقى من (سوريا المفيدة).
والمطلع على المواقف السياسية لدول المنطقة وتقلباتها المدهشة والمفاجئة يدرك بأن الحكومة التركية الحالية هي العائق الوحيد الذي بات يقف في وجه تلك المخططات ويواجه تنفيذها، لذا كان لا بد لتركيا من أن تتريث وأن تعيد حساباتها بناءً على ما استجد من أمور.
ومن السذاجة أن نتكهن بافتراضية قبول تركيا لأن تعود لاتفاقية أضنة (كما هي) والتي لم ينفذ فيها الطرف الآخر 10% مما تم الاتفاق عليه طيلة تلك السنوات، وهذا ما ألمحت إليه تركيا حين طالبت بإعادة مناقشة بنود الاتفاقية) ناهيك عن أن الانسحاب التركي من غرب الفرات واكتفائه بال (5 كم) لا يمكن أن يلبي تصورات تركيا في تقليم مخالب ال ((PKK ومشتقاتها وإنهاء إمكانية تهديداتهم المستمرة لتركيا.
لا شك أن تركيا تعرضت وسوف تتعرض في الأيام المقبلة إلى ضغوطات مختلفة ومن جهات عديدة لثنيها عن نيتها بالتوغل شرق الفرات والاكتفاء بالمنطقة الآمنة "الأمريكية"، لكن السؤال المطروح: هل تركيا في حالة من الضعف ترغمها على تنفيذ ما يُملى عليها من الخارج حتى لو كان على حساب تهديد وجودها.؟؟ أم أنها لن تساوم على أمنها القومي حتى لو كلفها ذلك ثمناً باهظاً...؟؟
محمد علي صابوني
كاتب سوري