تداعياتُ الحملةُ العسكرية على إدلب، وحالة المراوحة


 

 

 

التوقعات بإخفاق الحملة العسكرية، التي أطلقتها روسيا على إدلب، باتَتْ أقرب إلى التحقّق، منها إلى الوصول إلى مبتغاها، بحسب ما أراد المخطط الاستراتيجي الروسي، حينما أقدم عليها في الأول من أيار/ مايو الفائت.

مردُّ الأمر بحسب تقديرات عدد من المراقبين، إلى حجم الخسائر المتتالية التي منيت بها القوات المهاجمة، ممثلة بأخلاط شتّى تقودهم روسيا؛ الأمر الذي ألقى بظلاله على مجمل الخطة الروسية؛ فبدأت حالة التخبط وحالة عدم الرضا، تسري في أوساط القيادة الروسية، على إثر ذلك.

وهو ما جعل المراقبين يفسرون تصريحات الرئيس بوتين، بأنّ عناصر من الجماعات المسلحة في إدلب أخذت تتسلّل إلى ليبيا، بأنّها محمولة على حالة القلق التي يعيشها، بعد تلك حالة المراوحة العسكرية على إدلب؛ في مسعى منه لكسب الرأي العام الدولي، ولاسيّما الأوروبي، المتصاعد على حجم الدمار الذي ألحقته حملته العسكرية في إدلب مؤخرًا؛ بأنّها لا تعدو كونها ضد منظمات إرهابية، تبسط سيطرتها على شمال غرب سورية.

حتى إنّ الرغبة في الوصول إلى الطرق الدولية (M4،M5) باءت بالفشل، ولم تصل إلى مبتغاها، وذلك بسبب صلابة الفصائل المقاتلة، واتباعها أساليب جديدة في مجابهة القوات المهاجمة، ولاسيما الجوية منها، حيث لجأت تلك الفصائل إلى سياسة تجنيب المدنيين خطوط المواجهة، فضلًا على سياسة الإغارة السريعة، ضمن ما يسمّى (إلسَعْ واهرُب)، 

فتح أكثر من جبهة في وقت واحد، ومن أكثرها حساسية جبهة الساحل، التي لم تكن روسيا تتوقّع صلابتها إلى هذا الحدّ، والتخلّي عن الطريقة التقليدية في صدّ الهجوم المقابل، وأخيرًا القيام بعمليات (تدشيم) ناجعة في مواجهة الطلعات الجوية والقصف المدفعي، والبراميل المتفجرة، فيما أطلق عليه (حملة الخندق).

وهو الأمر الذي لم تكن تتوقعه موسكو، التي كان في حسبانها أن تجتاح المنطقة في زمن قياسي، اعتمادًا على تجربتها في مناطق المصالحات الأخرى: الجنوب والغوطة وشمال حمص.

يبدو أنه فاتها في ذلك أنّ الغطاء السياسي ما زال موجودًا في إدلب، ممثلًا بتركيا، وأنّ النخبة من عناصر الفصائل المجتمعة في إدلب، تقاتل في معركتها الأخيرة.

صحيح أنّ التحالف الذي تقوده روسيا لم يعلن فشل استراتيجيته، رغم الخسائر البشرية التي ناهزت الألف، فضلًا على المعدات والآليات، فإنّه آخذٌ في بناء هجمة أخرى، يظنّ أنّ بإمكانها إحداث الخرق الذي يساعده على حضور الطاولة الرباعية القادمة، التي ستجمعه في استنبول مع (تركيا، ألمانيا، فرنسا)، وأخرى ثلاثية مع حليفيه في أستانا، أواخر شهر تموز الجاري، مستندًا فيها على حشود قادمة من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة عشر ومن بعض الألوية في دمشق كاللواء 121 واللواء 91.

يُتوقّع أن يكون لذلك تداعيات ربما تصل إلى حدّ إعلان فشل الحملة على إدلب، تمهيدًا لوقف شبه دائم لإطلاق النار، والتفكير بالجلوس على طاولة الحلّ السياسي، خصوصًا بعد إجبار موسكو على المشارفة من تشكيل اللجنة الدستورية، تحت ضغط أمريكي ـ أوروبي في إعادة الملف إلى مقررات جنيف والأمم المتحدة، وأنّه في حال عدم ذهاب موسكو إلى ذلك فإنّ تركيا أخذت تلوح بإلحاق إدلب بمنطقتي درع الفرات وغصن الزيتون.

 

 

د. محمد عادل شوك

أكاديمي وباحث سوري

 
Whatsapp