قصيدتان لسيّدة المدائن


 

 

أمّ الكلّ

                                                                 

ظلّت أربعين عاماً

تقلّب حظّها في علبة "كبريت الفرس "

ولم يخطر ببالها،

أنّ القصب المجدول في الحصيرة

إنّما يقلّد أصابع النسّاجة فتجعّد

ظلّت تنذلّ لـ"بطاريات البرق "القزمة كبيّور

كي تدرّب أنوثتها في أثير إذاعة دمشق 

وهي ترسل آهات أمّ كلثوم بعد منتصف الّليل 

ولم يخطر ببالها 

أنّها ستصبح أرملةً بلا وحم من أوّل جرب 

ظلّت لا ترفع رأسها إلّا حين تمرّ في السماء 

أسراب الإوزّ

فربّما صار المنام أقضى 

وحملتها إلى مدن الحنين

لم يخطر ببالها

أنّ الإوزّ أوّل المفجوعين بالرصاص

يشتمّ رائحة البارود من أقاصي الأرض 

فلن تراه، وعليها أن تعود للياسمين من جديد

وتتابع محو أمّيته على طبق القشّ 

ظلّت ما تبنّت ولداً، فكلّهم رضعوا حبّات الرّاحةِ 

من بين أصابعها

وعلى حسابها كان حلق البنات 

وتكاليف ختان الصبيان

لم يخطر ببالها

أنّ حرباً أخرى ستأكل عكّازها 

وما تبقّى من بصرْ

وأنّه، سيأتي ذلك اليوم

تتلفّت ولا تجد حواليها 

حتّى ظلّ حائط.

 

بنت الزلازل

 

معنى ذلك

أنّ الزلزال القادم

لن يسحب من تحت حلب ركام القلاع السابقة 

ويقهقه بكلّ شماتة

وهو يراقبها تنقلب على قفاها كعدوّ مهزوم

فالزلازل لا تفترس غير العمران

ومعنى ذلك

أنّه سوف يمرّ كهرّة لا أكثر من بين سيقان القبور

وصوته مقزّز فقط 

كسرير يطقطق ظهره، تحت، في الطابق السفليّ

فلا ضحايا لبشر تفرّقوا في الأرض، هكذا، 

بلا حيطان وسقوف

وهكذا لن يكحّل عينيه بغبار الطلع وهو يتابع طريقه 

نحو القيامة

فقد أصبحت حصيداً بساتين الفستق

ومنذ زلزالها الكبير 1822ميلاديّ

جفّ فيها النهر 

من كثرة ما بكى 

أبوابها المتطايرة وهي تلقي بين يديه نقوشها النافقة

معنى ذلك أنّه لا دمار جديداً، ولن يموت أحد

وأنّ مقياس ريختر

من حلب فصاعداً 

سيبطل في تصنيف هزّات الأرض

وربّما يقيس الاهتراء في ثياب الخيام

وهي تمزّقها 

حزناً على حجرها القتيل.

 

 

سلام حلّوم

شاعر وكاتب سوري

 
 
Whatsapp