خِداعُ المرايا


 

وهل لي سوى عينيك، فالشعر باردُ

ومنفى حنيني لم تطأهُ القصائدُ؟

 

أمامي حكايات من الريح أنجبت

حديثاً، وخلفي سار ظلي المحايد

 

أنا كامل المأساة، حقي مجفف

وقد نزعتْ مني حياتي الشدائدُ

 

وعن شرفة المرآة بالوهم غادرت

يدي، واستغل السطحَ وجهي المُطارَد

 

وظني الموازي للحكايات بينه

وحلمي، على التقدير، ليلٌ وزاهدُ

 

تشابُهني المرآة في حالة الرضا

ومن حالتي يشكو الخداع المعاندُ

 

وكل الذي أخفيته في حقائبي

عن الحفظ في كراسة البال، زائدُ

 

يكاد الصدى يوحي إلى البعد أنني

من الخوض في التعجيل، همًّا أكابد

 

وهذا بعرف الصمت أقوى حصانة

من الدمع يعطيها لعينيكِ ناقدُ

 

فلا تسرفي بالسهد، فالشام وحدها

يحق لها ما لا تجيز الشوارد

 

لها أن تزيد الشوق جمرا، وصدرها

على الفجر مفتوح، وللحقد فاقدُ

 

ولا زال بحثي عن دُمى الظلِّ قاصرا

على اللهو، والخيط الذي شُدَّ واحدُ

 

تَشَابُهُ حالاتي مع الريح ناهزت

طقوسي التي بالبحر كانت تُطارد

 

بلغنا معاً محمية الصبر، وانحنت

أمام المرايا للشباك الطرائدُ

 

إلى أي تنجيم عذابي يقودني

إذا كان عنواني ضياعي يساعد؟

 

وكل انتظار خارج السرب ينتهي

إلى ريشة من جوها الفن عائدُ

 

سآتيك بالشوق المفاجئ، فافتحي

لقلبي مجالا حين تصحو المساجد

 

يواسي دخانُ الصمت ناراً كتمتها

عن الصدر حتى لا تغيب الشواهد

 

وما قيمة التأويل والنهر فاتح

ذراعيه للألحان، والنَّايُ راكدُ؟

 

إذا كان طبع الغيم بالموج مالحاً

فهذا دليل قدمته الروافد

 

تماهت بِنَا النيران والطين محدق

بتشكيل حلف قوّضته المواقد

 

هنا مربط التمثيل لا صمت قبله

ولا بعدَهُ التصفيقُ للعبدِ فاقدُ

 

على بعد شك من جلوسي تزاحمت

خيول ودربي باتجاهين شارد

 

كأني حياديٌّ على مسرح الدجى

وليلي مع الأبطال لابد عائدُ

 

دعي خُدعةَ "الديكور" فالجرح وحده

له الحق في تكذيب ما لا يشاهد

 

إذا الدهر أغراني بقبر مزخرف

فإن جروحي فوق صدري قلائد

 

أرى بامتداد القهر تاريخ أمتي

مسجَّىً أمامي كفنته الجرائد

 

ولا شيء يدعوني إلى الحلم بعدما

تحولت تمثالا على النحت شاهدُ

 

ولولا امتثالي للنياشين لانتهى

إلى مُتحفِ الفخار بالجسم، قائدُ

 

وما علمتني العارَ نفسي، ولم تكن

إلى الذل تمشي، أو وضيعاً تناشد

 

وأعلم أن النار والحرب والردى

على جسدي المهزوم قتلا تَعاهدوا

 

وأدركت كيف الحبر يقضي نقاهة

من الصمت إن زادت عليه المفاسدُ

 

وكانت لديه فرصةُ الموت مرَّةً

ليشعرَ أنَّ الميْتَ للحيِّ والدُ.

 

 

محمد إبراهيم الحريري‏

شاعر سوري مقيم بالكويت

 
Whatsapp