الحقيقة


      

والآن، قل لهم الحقيقة، لم تعد بحاجة لتبرير ما حدث، لم يعد مهماً أن يعرف أحد أي شيء عن النوبات الحادة التي تهاجم رئتيك، عن الغصص وآلام الظهر، عن الصداع والغبش الذي يلازم العينين، عن القشعريرة والرجفان ثمّْ، ثمَّ عن الوحدة والتخبط في دائرة الوقت الضائع.

قل لهم الحقيقة كاملةً، ضعها كجثة أرنب على الطاولة وقل لهم بأنك هو، وبأن الكدمات التي على وجهه هي آثار اصطدامه بأضواء عربة كانت مسرعة تقودها سيدة لا تجيد استخدام الفرامل.

قل ما تخفيه عنهم منذ سنين 

لا تنتظر الوقت المناسب لأنك ضيّعت الكثير من الوقت لأجله، فهل كنت تتصور يوماً أن تموت كأرنب وأنت تقطع الطريق من غابة تحترق إلى بحيرات الصقيع؟! هل كنت تتصور يوماً بأن العربة التي ستصدمك ستتركك على حافة الطريق وتبتعد لأنك أرنب ولأنك لن تستطيع ولو حتى بالإشارات أن تشرح لها قصة كرهك للجزر والبندق، قصة العيش داخل الأنفاق وقصة الركض نحو مركز الضوء في حالات الخطر؟؟! 

ليس للأرانب مشاعر ولا أحاسيس، وهي بالنسبة للبعض من البشر كائنات أليفة، وبالنسبة للبعض الآخر وجبة شهية على مائدة المطبخ.

قل الحقيقة أنك بلا مشاعر كأثاث شقة للإيجار، وبلا أثر كطائر يعبر غيمة لذلك يضلون الطريق إليك أبداً..

قل لهم بأنك في الأربعين اكتشفت باباً سرياً في قلبك وحين فتحته اكتشفت جزر المرايا فرأيت نفسك أينما التفتّ، رأيت نفسك، رأيت النتوءات البارزة لعمودك الفقري، واكتشفت بأن قفصك الصدري مهشم، ثم رأيت بأنك تحمل قلبين من رصاص وقصدير سقطا منك واستقرا في الحوض، قل لهم بأنك صرت فزّاعة لا ذكريات لها سوى خوف العصافير، وأن الألم صار يتكاثر في روحك كالأرانب، قل لهم كل شيء وأنت تقلّب جثة الأرنب على الطاولة،  آثار الدروب في قدميه ، قصة نجاته من الموت مرتين، وقصة موته كأرنب دون أن تعود تلك العربة التي صدمته مترين فقط للوراء على الأقل لتزيحه قليلا نحو حافة الطريق .

  • قل لهم الحقيقة 

  •  ماهي الحقيقة؟؟؟

  •  الحقيقة هي تلك الأشياء التي لم نصدقها ذات حب.

  •  ما هو الحب؟؟؟

  •  الحب هو عربة مسرعة تقودها امرأة لا تجيد استخدام الفرامل. 

  • ماهي الفرامل؟؟ 

  • هي أصابع احترقت وهي تحاول إيقاف قطار مضى مسرعاً.

  • هي أن تقبل الخسارة وتعترض على الزمن القصير الذي استغرقته.

  •  والآن.. ماذا عليّ أن أفعل؟ 

 دع الأرنب على الطاولة وامض بروحك بعيداً، عد للأماكن التي كنت تحبها ستراهم هناك، راقبهم من خلف الزجاج وهم يتبادلون الورود، وهم يضحكون وهم يتعانقون، وتذكر نفسك دون أن تنسى الأرنب.

 

 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

Whatsapp