هذا ما صرّحت به شابة سورية في مجلس الأمن عام 2011 ودام اعتقالها خمسين يوماً (لم تُغتصب).
انتظرت اغتصابها كل ساعة بالخمسين يوماً مدة بقائها بالفرع الأمني.
سؤال:
لماذا طغى هاجس الاغتصاب على عقل المعتقلة وكأنه سيحدث الآن أو بعد قليل؟!
هل كان الاعتقال والتعذيب والتهم الجاهزة منها مثلاً: استجرار ضباط - قتل جنود الجيش السوري - تهريب دبابة لمناطق الثوار - تخابر مع العدو - تهديد بقتل واعتقال الأهل من أبناء وأخوة وحتى أصدقاء، أهون من ألف مرة من التحرش الجنسي والاغتصاب!
من المسؤول الأول عن التضخيم الإعلامي حول فكرة (كل معتقلة سياسية مغتصبة) النظام أم المعارضة؟! ولماذا؟، أسئلة للإجابة عنها تحتاج ملفات ودراسات وأبحاث.
لنعترف، النظام الأمني (لعبها صح) عندما قرر ومنذ أول يوم بالثورة 2011 اعتقال آلاف السوريات الثائرات من خلفيات ثقافية ودينية وجغرافية من كل المدن والمناطق التي خرجت ضد الأسد ورموزه الفاسدة، مستخدماً البطش بأعلى مستوياته وطرقه مع معتقلات الرأي لتحويلهن من ثائرات إلى مجرمات مستخدماً أسوأ طريقة تعذيب تواجهها أي سيدة، والموت يهون أمامها (الاغتصاب)، فالاعتداء الجنسي والتحرش الجسدي واللفظي إهانة وامتهان لكرامة المرأة وذويها.
الأسلوب الذي أمضى كالنحر تماماً بالنسبة لها وما يترتب عليه من مخاطر صحية ونفسية لن تزول إلا بصعوبة بالغة.
الاعتقال استراتيجية حرب شنّه النظام لإخماد الحراك الشعبي بسرعة وبحزم وبقوة لم تعرفه سوريا طوال حقب من وجودها على هذا الكوكب، لا تعرف حدود ولا ضوابط، تغولت به الأجهزة الأمنية وذهبت به للآخر ولا مانع لديها إطلاقاً إن كان يؤدي للموت أو التشويه أو حتى الجنون.
وزاوج غالباً بين الاعتقال والاغتصاب والابتزاز وعمّمه عبر كل الوسائل بتوصيل رسالة أو رسائل مفادها جسدها (المقدس) أو الثورة.
لم يكن اغتصاب واعتقال الناشطات فقط عقاباً لهن بل ورقة ضغط سياسية أشهرها حكم بشار في وجه الفصائل العسكرية، ومن بدء الحراك السلمي لفض الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح ثم بالتغيير ولاحقاً بالإزاحة الكاملة لهذا الشكل من الحكم، فكانت المعتقلة هي خنجر وقذيفة رماها بوجه المجتمع لكسره وضعضعته وتفكيكه لزمن طويل.
استخدمت القوى الأمنية كل ما توفر بين أيديها من أفراد موالين مؤثرين، والجيش الإلكتروني، وفيديوهات ومقاطع مصورة لهؤلاء النساء وبعث من خلالهن كتاب واضح جداً عنوانه العريض والقاطع (كل معتقلة رأي مغتصبة لا فرق اطلاقاً بين صغيرة أو كبيرة، متعلمة أو أمية مشاركة أم متعاطفة (.
كان الاعتقال عشوائياً في أحيان كثيرة على الحواجز، في العمل، في الحقول، في الممرات الحدودية في المدن، في الشوارع والحارات! في المدارس والجامعات، تغوُّل فاق حتى كوابيس آخر الليل.
النظام يعي تماماً مفهوم (الشرف) شرف الأنثى ومكانة المرأة بالمجتمع السوري، فكانت سلاح حرب أشهره بدون أي ضابط أو رادع، رأى فيها المسؤولة الأولى عن سوء تربيتها للشباب المتمرد، ومتسترة على معلومات عن أخيها وإنها وزوجها وزميلها ورآها شريكة كاملة لكل هؤلاء، وبناءاً عليه ليتضاعف الثمن الذي عليها تسديده، عُمم على الجميع في الشارع الثائر فكرة أنه كل معتقلة رأي مغتصبة، أداة عقاب مستحدثة بفجور وعلى الملأ هذه المرة، نجح فيها بمكان، وفشل في مكان آخر، لكنه مازال مستمراً بها.
لكن..
على الضفة الثانية من المقتلة، وظّف النشطاء بشقيهما المعارض المدني والعسكري اغتصاب المعتقلات مع ما فيه من غضب وقهر هذه القضية لإظهار وحشية النظام وانفلاته من أي عقاب، لما لقضية الاغتصاب من أثر كبير بالمجتمعات الغربية بكل مؤسساتها السياسية والمدنية والاجتماعية.
حضرت معتقلات الرأي وبقوة في ملف الحراك وتم طرحها كورقة ضغط أيضاً، ولقيت صداها الواسع في منظمات حقوق المرأة والإنسان والأمم المتحدة.
والملف لم يغلق ولم يحاسب أحد من الجناة وللآن لا يبدو أنه سيحاكم أحد في الوقت القريب.
لكنه في لحظة ما قادمة سيوضع على الطاولات ليحاسب عليه المتورطين ومن الجميع !!، وأكرر السؤال: هل فعلاً كل معتقلة مغتصبة؟!
الأهم والأمر كيف أثر هذا التعميم والتوصيف على حياة المعتقلة نفسها بدءاً من لحظة اعتقالها بالفرع وليس انتهاءاً بلحظة إطلاق سراحها ودوامات الخوف والعنف الذي مورس عليها وموقف الأهل والحاضنة!!
وضع تعميم الاغتصاب بوضع نفسي خطير يصل أحياناً الى حد الجنون في الأفرع الأمنية (الجهة الأولى) ليكون وسيلة الضغط الناجحة للحصول على الاعترافات والاقرار بالذنب سواء فعلته أم لم تفعله، ولتنجو كان عليها التوقيع على ورقة بيضاء تملأ لاحقاً بتهم حسب مزاج الضابط وما يراه مناسباً.
هذه الاتهامات وجدت من يصدقها من أهل وأصدقاء الناشطة والمعتقلة كل وفق مصلحته وموقفه.
عفواً لم تنته القصة هنا بل هنا تبدأ فصول التعنيف واللوم والنبذ!!، هنا أيضاً تم تعميم هذه النظرة: كل معتقلة مغتصبة وكل مغتصبة منبوذة وتستحق الرجم لحد القتل!!
لم نر الاعلام المعارض الثائر إلا في موقف المتفرج والناقل لمثل هذه الحالات!، النظام كرس الاغتصاب كظاهرة لإيقاف المد الشعبي ولوي ذراع العسكر الثائرين، أما المعارضة فقد أدلت بتصريحات مخيفة حين أعلنت عن أرقام كبيرة حول ارتفاع معدلات طلاق المعتقلات داخل الأفرع والسجون وخارجها، التبرؤ منهن، قتلهن من قبل ذويهن، والتضييق عليهن خوفاً من تجدد الاعتقال، الزامهن بزي محدد، والحد ما أمكن من الحركة
والتنقل، وراحت فكرة تزويجهن بمتبرع يرضى بهذا العار!!
ضغط الاعلام المعارض بغباء وتسرع بتخريج فكرة كل ثائرة وناشطة هي مغتصبة وكل مغتصبة هي بالضرورة ضعيفة مهزوزة، وغابت الناجيات الفاعلات المؤثرات محلياً وعالمياً من المشهد السوري أو كاد..
واستمرت الصورة والتوصيف لهن بالشكل النمطي السائد وتكريسه خاصة في المناسبات الثورية لتحضر المعتقلة وتحكي قصتها لتلقى تعاطف وقليل من كثير من الدموع، الكل حزين ومشفق في نهاية الحفل، والكل يمضي إلى شأنه.
وحدها أم محمد المعتقلة لمدة 9 أشهر في فرع فلسطين لرفضها الاعتراف على أسماء رفاق الطريق والتي تمكنت بوسائل اتصال بسيطة توثيق ما يحدث بالمظاهرات من قتل وحتى داخل السجون بوثائق للإعلام الخارجي ومنظمات حقوق الانسان، وحدها ما زالت تنتظر إعلامي متبرع يلتقط لأسنانها المتهالكة صورة وهي تضع مادة السيلكون لتثبيت ما بقي من تلك الأسنان لتستطيع أن تبقى على قيد الحياة، والانتظار.
هند بوظو
كاتبة وصحفية سورية