الثورة السورية مرت بمراحل قاسية جداً منذ بداياتها وابتلت بمعارضة فُرِضَتْ عليها من قبل جهات دولية مقابل التمويل، وبالتالي أخذت مسارات عدة طوال هذه السنين عُنوة مع ابتلائها بمجموعات مسلحة باسم (المعارضة) وهي في حقيقة الأمر كانت في معظمها بيادق تتحرك بأوامر، تنفيذاً لمصالح دولية وإقليمية تُبْعِدُ الثورة عن حالة الانتصار من خلال إشعال معارك جانبية ظاهرها الصراع على مناطق النفوذ لكن جوهرها إضعاف القوى الثورية المسلحة التي خاضت معارك جبارة وحاسمة ضد قوات النظام حيث تم السيطرة على ثلثي مساحة سورية، وهو ما كان ذريعة إلى تدخل روسي عسكرياً لإنقاذ النظام من السقوط، كان ذلك في عام 2015.
مع انتصارات الثورة أجبرت المجموعة الدولية لدعم سوريا الجانب الروسي على قبول المشروع الأمريكي الذي تم تقديمه إلى مجلس الأمن، والذي تم قبوله بالإجماع بصياغة قرار رقم /2254/ تاريخ 18 كانون الأول عام 2015، والذي نصَّ بوضوح لا لبس فيه على وقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية للوضع السوري بدءاً من تشكيل هيئة حكمٍ انتقالي ذا مصداقية تشمل جميع الأطياف، والعمل نحو انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة، استناداً إلى بيان جنيف وبيانات فيينا، ومن ثم اعتماد مسار صياغة دستور جديد لسوريا وإجراء انتخابات برعاية دولية بالتزامن مع وقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين والمحتاجين، وكذلك إقرار دور المجموعة الدولية لدعم سوريا باعتبارها المنبر المحوري لتسهيل جهود الأمم المتحدة مع اتخاذ كافة التدابير لبناء الثقة للمساهمة في العملية السياسية.
كان القرار الوحيد الذي علق الشعب السوري آماله عليه، لكن الذي حصل بعد التدخل الروسي عسكريا هو ضرب ذلك القرار عرض الحائط من قبل روسيا واعتماد مسار آخر، جوهره عسكري وظاهره سياسي لسحب الملف السوري من جنيف ورفع الغطاء الدولي عن المسألة السورية خلال عقد صفقة دولية والبدء بلقاءات أستانا بين "المعارضة المسلحة والنظام" مع اعتماد محاربة الإرهاب كأولى أولويات النظام المستند للدعم الروسي عسكرياً وسياسياً إضافة إلى مشاركة إيران عسكرياً لصالحه من بداية انطلاق الثورة.
خلال جولات أستانا العديدة التي لم تثمر شيئاً سوى إنشاء " مناطق خفض التصعيد " وفي حقيقة الأمر هو تسليم المناطق المحررة إلى النظام وتجميع الفصائل في المناطق الخاضعة للنفوذ التركي ومناطق ريف إدلب وحماه، لخلق بيئة يتم فيها البدء بالحل السياسي، لكن ذلك لم يتم أيضاً كما نراه اليوم من قصف جنوني لمناطق المعارضة في ريف إدلب والضحايا بالعشرات يومياً. أما ما يخص موضوع تشكيل اللجنة الدستورية) الذي تم إقراره منذ عامين ونصف، وتعثر كل مرة برفض النظام على ما تم الاتفاق عليه وذلك احتجاجًا على حصة الأمم المتحدة من الأعضاء (الثلث) لقد تم القبول مؤخراً كصفقة بين الدول النافذة، لكن السؤال الأهم الذي يُطْرَحُ اليوم، ما هي نسبة النجاح لهذه اللجنة إن تم تشكيلها فعلياً لطالما أن النظام ومن ورائه الروس لا يؤمنون إلاّ بالحل العسكري، وهما ومعهما الإيرانيون قد يستعملوا انشغال هذه اللجنة لقتل الوقت إلى أن تتسنى لهم الظروف للحسم العسكري وفرض شروطهم على المعارضة، التي في حقيقة الأمر تسعى إلى الحفاظ على مواقعها في العمل السياسي والدبلوماسي وهي تحاول أن ترضي بأي شكل من الأشكال مموليها من الدول النافذة والمؤثرة على الوضع في سوريا.
لكن إن تم تشكيل اللجنة وأنجز الدستور، من سيعطي الشرعية لهذا الدستور؟ هل الأمم المتحدة أم مجلس الشعب التابع للنظام؟ وكيف ستطبق مواد الدستور مع وجود قوانين نافذة، من المؤكد ستعارض الدستور حتماً؟ وبالتالي، قد يطول إنجاز الدستور سنوات طوال عند مناقشة التفاصيل في غياب هيئة حكم انتقالي تشرف على صياغة دستور جديد في مرحلة الانتقال السياسي للبلاد برعاية دولية استنادًا إلى بيان جنيف.
لذلك فالمعارضة متهمة عند قبولها تشكيل اللجنة الدستورية وتجاوزها جوهر قرار مجلس الأمن 2254، فهي قد وقعت في مطبٍ لا يمكن الخروج منه، وأعتقد أن المخرج الوحيد هو الدعوة الصريحة لتدخل دولي
من خلال الأمم المتحدة ووضع سوريا بما يشبه الوصاية الدولية لتنفيذ قرار مجلس الأمن. مجدداً لطالما فقد النظام كامل مصداقيته وكذلك روسيا بعد كل تلك التضحيات
أحمد قاسم
رئيس القسم الكردي