ستحصد ما تزرع


قام قسم "الأنثروبولوجي أي علم الإنسان والعقل" في جامعة أكسفورد عام 2018 بنشر نتائج دراسة أجراها طوال 10 أعوام على أطفال في أعمار تتراوح بين 12 شهرا وستة أعوام في صحيفة تلغراف. ، كما تنشر هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي التقرير في أحد برنامج البث الخاصة بها. كما قامت العديد من المؤسسات الأكاديمية والعلمية  بنقاش هذه النتائحج وتحليلها وعلى رأسها معهد فاراداي التابع لجامعة كامبردج، إضافة إلى ذلك نظمت العديد من المؤتمرات العلمية بخصوص ذات النتائج المذكورة.

يمكن تلخيص نتيجة البحث كما يلي: أن هؤلاء الأطفال ولدوا مؤمنون بوجود الله وهم يحافظون على هذا الإيمان حتى لو كانو لأبوين لم ينطقوا عن وجود الله بكلمة واحدة أو حتى لو كان معلموهم المدرسيون كذلك. الأطفال في هذا العمر يؤمنون بوجود الله حتى لو تركوا في جزيرة نائية بعيدة عن الناس فإنهم سيكبرون مؤمنين بوجود الله.

لقد أكد نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة في الحديث التالي:

"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه"

العلماء أجابوا على السؤال  "ما هي الفطرة" بالشكل التالي: أن المولى قد منح الشعور والإحساس لأصول الناس التي كانت في حالة ذرات وسألهم "ألست بربكم؟" فأجابوه: "بلى أنت ربنا". كنتيجة طبيعية لتلك الإجابة فإن الناس يولدون في مزاج وروح مهيأة للإيمان بالله ورافضة للشرك والمعتقدات الباطلة.

هذا الحديث ينزل كصفعة قوية على خدود كبار السن الذين يشكون من أن الأطفال والشباب قد تدهوروا على صعيد الاعتقاد والأخلاق ، وهذا الحديث يقول للكبار: لا تتذرعوا وتخلقوا الأعذار باتهام الأطفال والشباب ولا تتحاملوا عليهم، نحن ماذا فعلنا؟ وأين أخطأنا؟

لقد قلت هذا قاصدا "الأبناء العصاة للعائلات المتدينة ". إذا كان الأبوان قد اتخذوا كل التدابير اللازمة حيال أبنائهم منذ الولادة (أو حتى قبل الولادة ، وهذا موضوع آخر نتحدث عنه لاحقا)، ولم يهملوا الواجبات والمهام المكلفين بها في هذه الدنيا، وإضافة لذلك أعطوا الأولوية إلى الله تعالى وإلى السعادة الأبدية ومع كل ذلك إذا غلبت عليهم طرق الشيطان ووسائله، نعم وقتها لا ألومهم ولا أتهمهم، لكنني أقول لهم: تصرفوا بالطريقة التالية حتى لا يصير الوضع أسوأ من ذلك.

الآن ، دعنا نأتي إلى أطفال/شباب العائلات المتغربين والعصاة (وهم الذين لا يعيشون حياة إسلامية أو مقصرون في دينهم).

هؤلاء هم أبناء البيئة التربوية المنحرفة التي تمت الإشارة إليها في الحديث الشريف.

السؤال هل يمكننا إزالة أو القضاء على هذه البيئات التعليمية المنحرفة (التي تشمل الآباء والمدارس المنحرفة ووسائل الإعلام والأجهزة الإلكترونية الذكية والألعاب عبر الإنترنت والسينما والمسرح والكتب وغيرها...)؟

لا ، لا يمكننا ذلك طبعا.

هل يمكن أن نبقي أبنائنا بعيدين كليات عن كل هذه العناصر والعوامل؟ 

لا ، لا يمكننا ذلك أيضا.

قد تلجأ الأسر المتدينة إلى تدابير مثل التقييد والسيطرة ومنع الأضرار والأذى والتقييم المستمر من خلال المتابعة والقراءة معًا.

ترى كيف سنصل إلى أطفال / شباب العائلات التي ليست لديها همّ او اهتمام بمواضيع مثل الدين والأخلاق والقيم الذاتية والثقافة والحضارة، أي إلى العائلات الواقعة في مهب الريح والتي تمضي وتغيرها عواصف الزمن؟

هؤلاء الشباب لا وجود لهم في مدارسنا ولا في المساجد أو المساكن أو المدارس الدينية أو في فعاليات المجالات التعليمية، وهؤلاء الأبناء والشباب هم بالملايين؛ كيف يمكننا أن نصل إليهم؟

هؤلاء ليسوا أبناء أمة أخرى، إنهم مثل ابن نوح الذي لم يركب في السفينة، إنهم أطفالنا وأبناءنا!

لا أستطيع لوحدي تقديم الحلول والإجابات على هذه المشكلة العظيمة. يجب معالجة هذه المشكلة الكبيرة من خلال تعاون كل من الدولة والحكومات والمربين والمعلمين ومنظمات المجتمع المدني والشعب والأشخاص الذين يتطوعون محبة في بلدهم ووطنهم، يجب أن يعمل هؤلاء سوية لإيجاد الحلول.

 

خير الدين كارامان

 
 
Whatsapp