سيناريوهات الحلّ في إدلب


 

 

عقب الاتفاق المبرم بين تركيا وروسيا في سوتشي 17 سبتمبر/أيلول 2018، راجت عدة سيناريوهات لما يمكن أن تؤول إليه أحوال إدلب، لاسيما بعد خضوعها لهيمنة هيئة تحرير الشام مطلع سنة 2019، عقب عمليات اقتتال مع الفصائل الرافضة للعمل ضمن شروطها، وهو الأمر الذي أدّى إلى تعقيد المشهد حتى على الهيئة نفسها، وكانت هذه السيناريوهات على النحو الآتي: -هجوم عسكري شامل- عملية عسكرية محدودة- إبقاء الوضع على ما هو عليه- قيام الهيئة بعملية تغيير ذاتي لبنيتها ونهجها، وبعد دراسة النتائج والتداعيات المحتملة لكلٍّ منها، ذهبت الآراء إلى استبعاد الخيارين: الأول، والثالث، وإعطاء فرصة نجاح للخيارين: الثاني والرابع؛ كونهما أقرب إلى الواقع، وإنْ ليس على وجه الدقة، مع إمكانية الدمج بينهما.

وهو ما تشهده المنطقة منذ أواخر نيسان الفائت، حيث شرعت روسيا، باستهداف مستمر ومركز لأهداف حيوية في إدلب على مدار العام الفائت، وتمّ التصعيد بشكل غير متوقّع منذ شهر نيسان، بذريعة أنّ هذه الضربات المستمرة ستضعف الهيئة، والمجموعات الجهادية؛ بما يحملها على أن تقوم بإجراء تغييرات كبيرة في نهجها وسياستها، ويحدّ من فرص استمرار مشروعها.

في تلك الأثناء تتعهّد تركيا ببذل المزيد من الجهد للضغط على الهيئة، بغية قبولها بتنازلات قاسية يمكن أن تُرضي موسكو، وتجعلها تقنع باستحالة بقاء الحال على ما كانت عليه قبل ذلك، عندما وجدت الهيئة فيه نفسها بحاجة إلى مساندة الفصائل التي كانت على خصام منها، فضلاً على الغطاء السياسي، والمدد اللوجستي، وإبقاء معبر باب الهوى دونما تضييق أو إغلاق.

مثلما ينتظر من تركيا أن تقوم بجهد حقيقي تقنع فيه روسيا بالتخلّي عن الاستمرار في الخيار العسكريّ، الذي شرعت فيه، متوقعة سهولة وسرعة الحسم.

ومن غير المحتمل أن تنفض تركيا يدها من هذا الاتفاق مع روسيا، نظرًا لتقاطع المصالح بينهما، ولاسيّما بعد البدء بتوريد مكونات صفقة S 400، فضلاً على وجود مصالح روسية هامة في سورية أو خارجها، بما يدفع الكرملين لتجديد التزامه مع أنقرة،  علاوة على حرص تركيا على وقف إراقة الدم السوري، وكذلك العلاقات التركية - الروسية، التي سمحت ببقاء الوضع الراهن منذ بداية عام 2019، يمكنها أن تجعله يستمرّ مستقبلاً، طالما أن المصالح الروسية الكلية متحققة في العلاقة المتينة مع أنقرة، كما أن إدلب في واقع الحال لا تمثّل ملفًا يسهل الحسم فيه بالنسبة لموسكو، مثلما كان في الجنوب، أو ريفي دمشق و حمص الشمالي.  

وغير مستبعد أن تقوم الهيئة بالتوازي مع ذلك بمبادرة ذاتية، تجري فيها بعض التعديلات الجوهرية في سلوكها وسياستها، بما يسمح بتحييد السيناريوهات الخطرة عن المحافظة، وقد تشمل تلك التغييرات الجوهرية حلّ نفسها، وانسحاب قياداتها الحاليين من المشهد، وإخراج كل المقاتلين الأجانب من المحافظة، وتسليم إدارة المحافظة لإدارة مدنية فعلية تُمثل أهالي المحافظة، وذلك بعد وصول قيادة الهيئة إلى قناعة بأنه لن يمكنها العبور إلى المرحلة المقبلة، وأن أي تخيّلات أو مقارنات بهذا الخصوص لا تملك أيّة أسس واقعية، وأن البديل عن إجراء هذا التغيير سيكون قاسيًا على الهيئة أفرادًا ومشروعًا، وعلى المحافظة وسكانها. 

وبموجب ذلك تقوم تركيا بالتوصل إلى تفاهم مع روسيا، يتمّ بموجبه رعاية المؤسسات المدنية التي ستُقام في المحافظة، والإشراف على الفصائل المحلية التي ستتولى رعاية الأمن فيها، على غرار نموذجي درع الفرات وغصن الزيتون. 

لقد بات جليًّا أنّ أيًّا من الأطراف المتدخِّلة في الملف السوريّ، لا يملك خيارًا سهلاً في التعاطي مع إدلب؛ نظرًا لتداخل ملفها مع جملة من الملفات الأخرى، بما فيها مصالح فاعلين آخرين غير تركيا وروسيا وإيران، ونظرًا لحجم التداعيات الكبيرة المرفقة بأي سيناريو سيتم اعتماده أو إنجازه.

 

 

د. محمد عادل شوك

أكاديمي وباحث سوري

 

 

Whatsapp