مساءُ الخير يا إدلب


 

 

نحن القِرَبُ المقطوعة بلا شربة ماء، بلا جدوى، سوى الريح تلِجُ، وتخرج صارخة من ثقوبنا كأننا في احتفالية وطنيٍة بائسة. 

المسير شاقٌّ بعيد، وأنتم قبل السُرى قد بايعتم الأمل بعزمٍ على المضي دون حسابٍ أو تردد.

يتساءل بعضنا: ما فائدة التضامن والإضراب والجوع الصامت!؟

هل ترك لنا العالم نصيراً أو منبراً أو ثغرة نمرق منها نحو فضاءات الحرية وكرامة العيش !؟

ومشروع التأديب والتشريد والإبادة العميق استجلب كل شاذٍّ ورخيص وأفّاك ليكونوا زمرة التبرير، ليصفّقوا كجوقة قوادين لانحلالنا وضياع ملامحنا في أسيد العولمة الوحشية.

بيننا من نشأ وتدرّب كدودٍ شريطي مسلّحٍ على اقتياتِ كتفِ الصبر والعزيمة صعوداً من عجب البقاء.

أهلي هناك: 

أعلم انكم لا تمتلكون رفاهية التواصل لمعرفتنا، وأعرف أننا مجهولون منبوذون بهذا العالم ولن يقيكم فعلنا مما هو محيق بكم، كما أنه لا يُغني عن جوع ولا يردُّ سنابلنا المحروقة عمداً ليحققوا نتائجهم بأيدي أوغادنا، وبأقل تكلفة.

هناك في دائرة الفجيعة تتكئ أعناقكم بلا مبالاة على شفرة الموت المتربّص، تمجون تبغكم المهرّب الملفوف بورق الأمنية التي تحترق كل حين، فلا يبقى سوى رماد الأسطورة السورية، يهرهر على كلماتنا البرّاقة بأكاذيب التعاطف والشفقة العالمية، هم غير مكترثين لموتنا المرتّب بدقة خرافات التلمود، وأنتم غير عابئين أكثر منهم بكثير، ونحن الحمقى الآمنون نتزلّفَ ونعوي في وهمٍ كبير.

*

بدأ اليوم الثالث لي دون طعام، مرّت خيول الجوعِ يُغِرْنَ عشيّةً وصبحاً 

شموسٌ تصهل دون لجام، والحبل على الغارب يداعبه المدُّ والجَزْرُ، بوئام

أصغِي للهسيسِ آتياً من بعيد.

أصمتُ: وريحُ الكارثة تهمهمُ خلف الأبواب

ونبضي في أذنيَّ 

يتلوّى كلهيبٍ بين المطرقة والرّكاب 

تطاردنا الطائراتُ 

تنثر الموت في كلّ مكان

نسافر خلف الغياب 

نتحدّث مع أنفسنا كالغرباء

نشحبُ كالجنائز المترادفة كصهيلِ الجهات 

نغفو على نبضِ الهدير والأزيز والفحيح والقنابل والهروب 

نتباعدُ عن البلاد 

وعن الحياة شيئاً فشيئاً 

تصحو ذئابُ الحنين 

جريحةٌ تعوي في فيافي الشتات.

*

أتعلّمُ تهذيب نفسي الغارقة في الوهم 

أتعلمونَ أيّ بهاءٍ وتحليقٍ حين تأنف نفسك كل مباحٍ متاح

حين يصير الجوع طوعاً جناحا تأمّلٍ صامت نبيل؟!

أنت وحدك دون رقيب

في صوفية النّسك كأنك هائم في ملكوت اليقين..

يتراجع الإنسان فينا نحو كهف البدائية 

لا يمارس البغاء

لا يكذب أو يلتحي ليسرق لقمة الفقراء

لا يلتهم أطايب العلفِ كالبهائم المُرسّنةِ لخدمة السفهاء

ونملةٌ في ثقبها العميق بلا كسرة حبّة

بلا رشفة ماء

كأن البهائم أكثر رحمة، لهذا نعود لسيرتنا الأولى

نعوي ..... نعووووي بلا لغةٍ 

فاللغة حين يُسرجها الأوغادُ للذبح والنهب والتبرير

تمسي كارثة موجعة النهايات. 

 

 

محمد صالح عويد

شاعر وكاتب سوري

 

 

Whatsapp