لا فرق بين تركي وعربي إلا بالمعاناة


 

نكاد نسمع كل يوم من الأخوة العرب المقيمين في تركيا أن هذا الشخص تعرض لمضايقات هنا، وذاك الآخر تعرض لمضايقات هناك، سواء في الحي أو الشارع أو الدوائر الرسمية أو في غير مكان.

يشتكي الكثير من الأخوة العرب وخاصة الملتزمين بدينهم ظاهرًا وباطنًا، من حوادث بسيطة تحصل معهم أو مع زوجاتهم أو أولادهم أو بناتهم، فيعظّم العديد منهم هذه الحوادث وكأن مثلها لا يحصل في دول أخرى.

هذا يشتكي أن فلان التركي عامله بطريقة غير جيدة، وتلك السيدة المحجبة تقول إنها عانت من مشكلة في باص أو مؤسسة بسبب حجابها، وأولئك يرددون دائمًا السلبيات وكأن مثلها لا يحصل في دول أخرى.

إن كنت أخي الكريم تظن أنك خرجت من دائرة قوانين الحياة الدنيا فأنت مخطئ، عليك أن تدرك أنك ما زلت على كوكب الأرض، هذا الكوكب الذي يشهد الكثير من صور العنصرية والقتل والظلم والإجرام، وكله باسم الأديان والحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، هم مستعدون لتقبل كل شيء إلا الإسلام وأهله.

في تركيا، رغم كل المعاناة - النادرة أصلاً - التي يتعرض لها الأخوة العرب وخاصة من يتمسك منهم بإسلامه ودينه، يبقى العرب وغيرهم من ضيوف هذا البلد أخف معاناة من المواطن التركي الملتزم بدينه.

القضية التي يتأفف منها هذا وذاك، لا علاقة لها بعرق ولون وقومية، لا علاقة لها بعربي وتركي، القضية باختصار هي جزء من الصراع القائم بين الحق والباطل، بين الإسلام وأعدائه.

الحق عندما يحين وقته لا يعرف هذا تركي وذاك عربي، والظلم عندما تتوسع رقعته لا يعرف هذا تركي وذاك عربي، هو صراع الحق والباطل. مع الحق قد يكون التركي والعربي وغيرهما، ومع الباطل قد يكون أيضًا التركي والعربي وغيرهما.

ولذلك نقول لمن يأتي مشتكيًا من حادثة أو موقف ويبدأ ينتقد يمنة ويسرة، هل تلك السيدة التركية المحجبة التي تعرضت للسباب والشتم من قبل أخرى أيضًا تركية غير محجبة ومعادية للإسلام، هل قبل أن تتعرض للشتم سُئلت عن قوميتها وعرقها أهي تركية أم عربية، ولو كانت تركية لما تعرضت لهذا الموقف!!

بل على العكس عندما عُلم أنها تركية انهالت الشتائم عليها أكثر وأكثر، فهل تأتي هذه السيدة التركية المظلومة لتقول "أنا أتعرض للمضايقات والعنصرية من الأتراك"؟ أليست هي تركية!؟، وهل ذاك الشيخ التركي المتزين بقلنسوته ولحيته البيضاء الذي تعرض لموقف محرج من تركي آخر، هل يقول "أنا أتعرض للعنصرية والمضايقات من الأتراك"؟!أليس هو تركيًا!

عندما أساء البعض من الأتراك لهذه السيدة وهذا الشيخ لم يسألوهما عن عرقهما وقوميتهما، بل تعرضوا لهما بالمضايقات والإزعاج بسبب دينهما وإسلامهما لا بسبب قوميتهما وعرقهما.

هذه حقيقة يجب أن يعرفها الجميع أن الأتراك المتدينين الملتزمين بإسلامهم قد يتعرضون للمضايقات والعنصرية وخطاب الكراهية من أتراك آخرين معادين للإسلام، أكثر مما يتعرض له العرب في مثل هذه المواقف.

معاناة التركي صاحب الدار أصعب من العربي الضيف، أصعب لأنه في نهاية المطاف هو في بلده وعلى أرضه لا يستطيع أن يغادرهما هربًا من مضايقات بعض أبناء وطنه، بل هو مجبور على أن يعيش معهم ويخالطهم ويعمل معهم، فلا خيار آخر له، عليه أن يتحمل قرفهم وبذاءتهم ووقاحتهم بمعاداة الإسلام.

أما الضيف عامة، وخاصة العربي المتذمّر من الحوادث البسيطة، فهذا وضعه أسهل بكثير من ذاك التركي، فهو يستطيع إن كان منزعجًا من أمر ما، أن يحمل أمتعته ويغادر (بكل سهولة)، أما التركي فلا يستطيع بل مجبور على معايشة واقعه، الذي يضم عنصريين متخلفين حاملين لخطاب الكراهية المعادي للإسلام.

خلاصة الأمر، إن القضية اليوم ليست قضية عربي وتركي بل قضية فريقين، الأول يضم من يحمل رسالة الإسلام وقد يكون تركيًا وقد يكون عربيًا وقد يكون من أي قومية أو عرق أو لون من أبناء هذا الكوكب، والثاني يضم من يحمل في قلبه الكراهية للإسلام والمسلمين وقد يكون تركيًا وقد يكون عربيًا وقد يكون من أي قومية أو عرق أو لون من أبناء هذا الكوكب.

لذلك، الصادقون من الأخوة العرب الملتزمين يقفون مع إخوانهم الأتراك الملتزمين، يعاونونهم بحكمة وعقل وفطنة، يساعدونهم قدر المستطاع، يخففون عنهم، يقفون معهم في خندق واحد، ولا يزيدون عليهم الطينة بلة.

فريقان على هذا الكوكب وكل فريق لا يميز بين أعضائه، فإما أن تكون ضمن الفريق الأول وتتحمل المعاناة والضغوط والمضايقات نصرة لدينك وإخوانك، وإما أن تكون من الفريق الثاني الظالم أهله.

في تركيا، وفي كثير من المواقف، يكون حال العربي أسهل بكثير من حال التركي، فرأفة بأنفسنا جميعًا علينا أن نمتلك الحكمة بالتعاطي مع الأمور، وإلا فلنضع الإسلام جانبًا ولنـَعُد شعوبًا وقبائل نتقاتل ولا نتعارف.

 

 

 

حمزة تكين

كاتب وصحفي تركي

 
Whatsapp