مهاجرون وأنصار


 

       

يوم هاجر عبد الرحمن بن عوف، مع المهاجرين، إلى المدينة المنورة، عرض عليه أخوه في الإيمان: سعد بن الربيع أن يختار إحدى زوجتيه ليطلقها له فيتزوجها، وشطر ماله، فأبى بن عوف، ودعا لأخيه الأنصاري، قائلا: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني إلى السوق.

مع فارق القياس، فقد خطا "المهاجرون" إلى تركيا خطوات كبيرة على طريق ابن عوف، رضي الله عنه، وسريعًا عرفوا طريق السوق، وعمروه بالعمل، وأسهموا، إسهامًا مهمًا، في إنعاش الدورة الاقتصادية التركية، بل إنهم قدموا أنموذجًا في الاستهلاك، بغض النظر عن تقييمه، كان المستفيد الأكبر منه هو التاجر التركي، والسوق التركية، ودورة المال في العجلة الاقتصادية داخل تركيا، بل إن هناك مناطق عدة أحيا الله بالسوريين أسواقها.

قدم المهاجرون أنموذجًا مثاليًا في قيم العمل والإنتاج، بالرغم من ظروف العمل الصعبة نسبيًا في تركيا، بسبب طبيعة المجتمع التركي التقليدية التي تميل إلى التقوقع، وبسبب طبيعة التشريعات والقوانين الداخلية التي تحد من الانتشار والتوسع للعمالة الوافدة.

في معادلة المهاجرين والأنصار، مرة أخرى مع فارق القياس، حقق الأوائل طرف المعادلة، وبقي على الأنصاري تحقيق طرفها الثاني في حده الأدنى، وذلك لا بعرض شطر المال، ولا بغيره، وإنما بالسكوت عن هفوات أو أغلاط بشرية، أقر المسؤولون الأتراك بأن من حيث النسبة والتناسب، يتفوق الأتراك في الجرائم والجناح على السوريين بمراحل، بمعنى أن ثلاثة ملايين تركي ونصف المليون يرتكبون من الجرائم والجنح بما لا يقل عن ضعفي جنح السوريين الموجودين في تركيا، وهذا وفق إحصائيات رسمية ذكرها مسؤولون أتراك كبار.

السوريون فوضويون نعم، وليس لهم رأس، ولا كبير يرجعون إليه، وأخفقوا في تشكيل جسم نقابي ينظم أمورهم ويجمع شتاتهم، هذا صحيح ويعود ذلك إلى النزعة الفردية التي اكتسبوها لأسباب سياسية واقتصادية واجتماعية، ليس المقامُ مقامَ بسطها هنا، لكنهم فوق كل ذلك يتنفسون كرامة، وهي هواؤهم الذي لا قبل لهم في العيش بدونها، وسعيهم إلى دوام التمتع بها يفسر الدماء الحارة التي تجري في عروقهم وتدفعهم إلى الصدام مع بعض إخوانهم الأتراك على الدوام.

شيء مؤلم للنفس أن ترى شبابًا مقيدي الأيدي بالأصفاد يرحلون من مكان عاشوا فيه، منتجين، طوال سنين، غير أن ما يخفف الألم هو الموقف الأخلاقي للمسؤولين الأتراك الذين تداعوا ووجهوا بإيقاف الترحيلات، ويسعون لإيجاد حلول أنجع لهذا الوضع.

آلاف الشباب السوري يقاتل في الداخل، وكثير ممن جاؤوا إلى تركيا هم مرافقون لنسائهم وأطفالهم، عائلون لهم، معينين لأقربائهم وأرحامهم في الداخل، فكثير من السوريين في المناطق المحررة يعيشون اليوم على تحويلات أقربائهم ممن يعملون في تركيا بالقدر الذي بالكاد يشبع بطنًا أو لا يكاد، وأقول هذا الكلام لأن فريقًا من الأتراك، معروفي الفكر والتوجه، ومحدودي العدد والانتشار، يعزفون ليل نهار على وتر هذه القضية، وهم قبل غيرهم قد علموا قدر الشجاعة، غير العادي، التي أبداها السوريون في بداية الثورة وفي خضمها، وصولًا إلى هذه المرحلة، في مقارعة دول ومليشيات بزاد قليل، وعتاد أقل، ونصير عزيز.

 

 

 

 جهاد عدلة

  صحافي سوري

 

Whatsapp