حتى لا يبقى المجرم الكيماوي الأسدي طليقًا شهادات أهل زملكا


 

 

ست سنوات مضت على العدوان الأسدي الكيماوي الفاجر على أهلنا في غوطة دمشق الغناء شرقيها وغربيها، ست سنوات أَفلت ومازال المجرم الذي ارتكب المُحرَّم دوليًا طليقًا، بل يمارس كل أنواع العهر الاجرامي، الكيماوي والبراميلي، وبشتى أصناف الأسلحة المخترعة روسيًا التي تُجرب على شعبنا السوري في كل مكان يرى فيه أن هناك حاضنة شعبية لثورة الحرية والكرامة.

تمر علينا هذه الأيام الذكرى السادسة للعدوان الكيماوي على زملكا وعربين وكفر بطنا والمعضمية والكثير من المواقع الشعبية الثائرة في ريف دمشق، ففي 21 آب/أغسطس2013 قام النظام/العصابة بمهاجمة الغوطة بغاز السارين، مما أسفر عن استشهاد 1429 مدنيًا سوريًا، من بينهم 426 طفلاً. العدوان الذي حظي باهتمام دولي، في حينها، أدى إلى بذل جهد أميركي روسي مشترك لتفكيك برنامج الأسلحة الكيميائية السوري، لصالح إسرائيل، وليس خوفًا على الشعب السوري، هذا الجهد أخفق في وقف امتلاك الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري. حيث أنه وبحلول عام 2018، وثّقت (هيومن رايتس ووتش) 85 هجومًا بأسلحة كيميائية في سورية منذ عدوان 2013 في الغوطة، كما جرى في خان شيخون عام 2017، وفي دوما في عام 2018، والعديد من الهجمات الكيميائية الأخرى الموثقة؛ كما أنه ما يزال مرتكبو الكيماوي بلا عقاب.

واستنادًا لتقرير صادر عن الجمعية الطبية السورية الأميركية في عام 2016، عن الهجمات الكيميائية في سورية، فقد وقع 77% من ضربات الهجوم الكيماوي بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2118، الذي أنشأ إطاراً لتدمير مخزونات الأسلحة الكيميائية المعلن عنها في سورية.

لكن وحتى لا يبقى المجرم طليقًا بدون محاسبة، كان لابد من توثيق بعض الشهادات والشهود من الشعب السوري الذين شهدوا تلك المجزرة الرهيبة، وخاصة في مدينة زملكا التي نالت الحصة الأكبر من عدد شهداء الكيماوي، والحقد الأسدي.

السيد محمد بدر عيد من زملكا قال لإشراق عن تلك الليلة التي لا تنسى: " حوالي الساعة الثانية والنصف فجرًا وبعد أن سمعنا انفجار عدة قذائف، وكانت هذه المرة أصوات الانفجار خافتة، وكأن القذائف كانت تنفجر بعيدة عنا. طرق بابي أحد إخوتي الذي يسكن بجواري وأخبرني أن منطقتنا مستهدفة بالسلاح الكيماوي، وطلب مني مغادرة البلدة (زملكا) مع عائلتي المؤلفة من زوجتي وطفلتين، لكني لم أكترث، وكأني لم أصدق أن النظام سيستهدف المناطق المدنية المأهولة بهذا السلاح، وقررت أن أبقى في بيتي، مع الأخذ بالاحتياطات اللازمة فأغلقت الأبواب والنوافذ، وصنعت من المناشف كمامات مبللة بالخل أدرأ بها الخطر عني وعن عائلتي، وكان بيتي بعيد قليلًا عن التجمع السكاني". ثم أضاف  " لم أشعر بويلات ما جرى حتى الساعة الخامسة صباحًا، عندما خرجت لأطمئن على ما حصل، كان كل جيراني قد خرجوا من بيوتهم ولم أر أحدًا منهم، وكانت عمليات الإنقاذ في نهايتها، فرأيت أشخاص جاؤوا من البلدات المجاورة للإنقاذ والمساعدة، ثم ذهبت إلى النقطة الطبية فوجدتها خاوية، قيل لي حتى الكوادر الطبية تم إسعافهم، وبدأت أتأثر، فلاحظت غشاوة في العيون وضيق في التنفس، فأسرعت في العودة إلى البيت، لآخذ عائلتي خارج البلدة، وبعد تأمين عائلتي خارج المدينة ذهبت إلى المراكز الطبية في البلدات المجاورة، لأكتشف حجم الكارثة، حيث كانت النقاط الطبية قد امتلأت بالجثث والمصابين من الرجال والنساء والأطفال، وكانت الكوادر الطبية شبه عاجزة بسبب حجم الكارثة، التي لا تستطيع دولًا أن تتحملها، وكان من أكثر المشاهد المؤثرة التي حفرت في ذاكرتي ذلك اليوم في مشفى السل بكفربطنا، كانت إحدى الزوايا المخصصة للشهداء الأطفال، حيث بلغ عددهم حوالي الأربعين طفلًا وجدت نفسي بينهم أتحسس وجوههم وشعرهم، لم أصدق أنني أعيش هكذا موقف، كانوا كالورود الهامدة، لا عاش قاتلهم، والخزي والعار لمن خذلهم". 

أما السيد محمد الشيخ من زملكا فقال لإشراق " في حوالي الساعة الثانية مساءً تم استهداف مدينة زملكا بعدة صواريخ من جهة دمشق، وبعد فترة قصيرة من الزمن تلقينا نداءات استغاثة عن طريق مكبرات الصوت والمساجد بأنه توجد حالات اختناق كبيرة بين المدنيين، وعند توجهنا للمراكز الطبية في زملكا وجدنا عدد ًا كبيرًا من النساء والأطفال والرجال يتنفسون بصعوبة وآخرين يختلجون، ومنهم من يخرج الزبد من فمه حينها، وقفنا عاجزين أمام هذه المشاهد التي نراها، نحاول فعل ما بوسعنا لإنقاذهم، ولكن لا جدوى". ثم قال " بسبب الأعداد الهائلة للمصابين لجأنا للمياه والخل والكحول كإسعافات أولية، لم نستطع إسعاف الجميع لأن الذي يذهب ليسعف الناس يرجع إما مصابًا أو شهيدًا، وقد استشهد الكثير من أبناء بلدي وأقربائي حينها، ولم نستطع عمل أي شيء، ومع ساعات الصباح، صعدت الغازات الكيماوية إلى السماء ومن ثم قمنا بتفقد أقربائنا وأصحابنا، وحينها كانت الكارثة حوالي ال ١٨٠٠ شهيد راح حينها من أبناء بلدتي بين رجال ونساء وأطفال موثقين بالأسماء والصور. ومازال المجرم طليقًا".

أما الناشط يوسف أبو عماد فأكد لإشراق أنه " في حوالي الساعة الثانية والربع من بعد منتصف الليل بتاريخ ٢١ /٨ / ٢٠١٣ سمعت صوت نفاث صواريخ بالتتالي، ولم يصدر عنها صوت انفجارات، للوهلة الأولى سررت بأنها لم تلحق الأذى بسكان المدينة، ولم يمض الكثير من الوقت حتى بدأ القصف المدفعي المسموع، ولتتعالى بعدها الأصوات من الجانب الجنوبي للمدينة لتصل إلينا تباعًا (كيماوي كيماوي كيماوي ) فدب الذعر والحيرة بين الأهالي فمنهم من صعد بأهله إلى سطح الأبنية، ومنهم من أغلق أبواب منزله، ليعلو صوتي وآخرين بإخلاء المدينة، وما إن أوصلت عائلتي لمنزل أقاربي في مدينة حمورية ، حتى وصلت الأخبار لمدن الغوطة". ثم أضاف "  لتبدأ بعدها أكبر عملية إسعاف بتاريخ الثورة السورية، وبمستوى الكوارث الكبرى، سيارات تعدو وتجيئ محملة بالمصابين نحو النقاط والمشافي الطبية، ولم يكن في تلك اللحظات ليبدو لنا حجم الكارثة، وبدأت بالتنقل من مشفى لآخر، وإذ بالمئات من المصابين في كل مشفى، نساء وأطفال ورجال، ضيق بالتنفس واختلاجات ورغاء من الأنف والفم، منهم من توقف عن الحركة ومنهم من ينازع الموت، ليبذل الأطباء والممرضين والأهالي وسعهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، عبر حقنهم بإبر التروبين والضغط على الصدر والغسل بالمياه، ومع بزوغ الفجر انجلى لنا حجم الكارثة، لأرى مدينتي خالية من أهلها، ولا يزال الشبان يخرجون بعض الجثث المختبئة في الغرف والأقبية، وترى الطير والمواشي الميتة هنا وهناك". ثم قال " اثنا عشر صاروخًا كيماويًا ألقيت تلك الليلة من جبل قاسيون من الشمال الغربي ألقتها عصابات الأسد المجرمة تسعة منها في زملكا وثلاثة في كل من جوبر وحزة وعين ترما، أكثر من عشرة آلاف تعرضوا للإصابة في تلك الضربة، وأكثر من ألف واربعمائة شهيد جلهم من الأطفال والنساء وكبار السن نظرًا لنومهم المبكر، كما استشهد الكثير من الممرضين والمسعفين من الأهالي لتعرضهم لجرعات زائدة من مادة السارين، لتأتي بعدها لجنة التحقيق الدولية حيث شاهدوا بأعينهم عدد الصواريخ، وأماكن هبوطها، ومن أي زاوية أتت، وفحصوا عينات من جثث الضحايا والحيوانات والتراب وقالوا لنا أكثر من مرة (الأسد هو الفاعل والغاز المستعمل هو السارين، لكن رسميًا ليس من صلاحياتنا تحديد الجهة الفاعلة). ست سنوات مضت على المجزرة ولازال القاتل طليقًا. ونحن بدورنا أهالي زملكا والغوطة وسورية لن ننسى شهداءنا وسنتابع قضيتنا حتى القصاص من المجرمين القتلة".

فهل ستشهد المحكمة الجنائية الدولية يومًا ما محاكمة عادلة للمجرم الطليق، وهل ستقر أعين أهل سورية، وأهل الغوطة، وأهل دوما، وخان شيخون محاكمة عادلة للمجرم؟!

 

 

أحمد مظهر سعدو

رئيس القسم السياسي

 
Whatsapp