تمرّ الذكرى السادسة لمجزرة (الكيماوي) الرهيبة، التي راح ضحيتها زهاء1450مدنياً من أهالي الغوطتين من مختلف الأعمار، ولا يزال المجرم طليقاً يعيث دماراً في طول البلاد وعرضها، بدعم روسي وإيراني، في ظلّ صمتٍ دولي " مريب "، جعله يتمادى في استخدام السلاح الكيماوي في أكثر من مدينة وبلدة.
فجر يوم الحادي والعشرين من آب 2013 م، وفي تمام الساعة (الثانية والنصف) سمع أهالي الغوطة الشرقية صوت انفجارات مكتومة في كلّ من زملكا وعين ترما وعربين وكفر بطنا، وفي معضمية الشام / الغوطة الغربية. ستة عشر صاروخاً من نوع ( أرض /أرض ) أطلقها جيش النظام على الغوطتين ( رئتي دمشق التي تتنفس منها العاصمة ) ليستيقظ العالم على مشهد غير مسبوق في التاريخ، وهم يتابعون مئات الأطفال يلفظون أنفاسهم الأخيرة على شاشات الفضائيات، كانت أجسادهم تنتفض بحركات متشنجة لا إرادية، وسط بحيرة صغيرة من المياه التي كان يسكبها المسعفون في محاولة يائسة لإنقاذهم، وحسب طبيب من مشفى ميداني في زملكا فإن الإصابات في زملكا وحدها فاقت أل( 200 ) ومعظمهم من الأطفال، وكانت أولى الأعراض التي بدت على الضحايا تضيّق حدقة العين والعجز عن الرؤية، لتتفاقم الحالة إلى الإختناق والإختلاج ، وأضاف : " إنها أعراض التسمم بغاز السارين " .
في شهادة أخرى لأحد الأطباء الميدانيين: " إنّ الأطفال فارقوا الحياة أمام أعيننا، دون أن نستطيع فعل شيء ".
وعن خطورة غاز السارين يقول: " هو غاز شديد الخطورة على الإنسان، لا لون له ولا رائحة، يستهدف الجملة العصبية، وينفذ عبر مسام الجلد بمجرد الملامسة أو عن طريق التنفس، فيُحدث غشاوة بالرؤية وتقلصاً شديداً في حدقة العين وصعوبة في التنفس وسيلاناً في الأنف، مع تعرّق شديد وتقيّؤ وإسهال وغيبوبة، ثم إختلاجات عضلية، ونوبات من التبوّل الّلاإرادي، وتقلّصات شديدة بالعضلات تؤدي إلى الاختناق، ثم الوفاة “.
كانت المجزرة تحدّياً صارخاً للمجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، وامتحاناً لجديّة الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس " أوباما " وتهديده للأسد إذا ما لجأ إلى استخدام السلاح الكيماوي، وبالفعل فقد خرج " أوباما " في اليوم التالي للمجزرة في مؤتمر صحفي في حديقة البيت الأبيض معبراً عن سخطه ووعد بضربة للنظام واصفاً ما حدث في الغوطة بأنّه " أسوأ مجزرة بالسلاح الكيماوي في القرن الحادي والعشرين، ارتكبها نظام الأسد “.
لكن الذي حدث بعد ذلك، أن أوباما وافق على العرض الروسي بأن يتمّ تسليم الترسانة الكيماوية التي يمتلكها النظام مقابل وقف الضربة العسكرية المحتملة، وبهذه الصفقة (الأميركية / الروسية) تمّ التغاضي عن هذه المجزرة الرهيبة ليبقى المجرم طليقاً، ويُكتفى بمصادرة " أداة الجريمة “! الأمر الذي أغرى الأسد بتكرار استعمال شتى أصناف الأسلحة ـ بما فيها المحرّمة دوليّاً ـ في مواجهة الشعب السوري الثائر، وكانت تلك " الصفقة " بمثابة ضوءٍ أخضر من الدول العظمى لنظام الأسد و " طعنة " للثورة التي كانت قاب قوسين أو أدنى من النصر.
ما يميّز الذكرى السادسة اليوم أن أهالي الغوطة الذين هُجّروا إلى إدلب وريفها، يتعرّضون اليوم للإبادة منذ أكثر من مئة يوم عبر القصف العنيف من قبل النظام والقوات الروسية والميليشيات الإيرانية، وسط تجدّد المخاوف من تكرار إستخدام السلاح الكيماوي كما حصل في أكثر من منطقة ( خان شيخون / نيسان 2017 )، ويؤكد ناشطون بأن النظام قام منذ السنة الفائتة بنبش قبور الضحايا، في كل من زملكا وعين ترما وعربين وقام بنقلها إلى مكان مجهول، في محاولة بائسة لإخفاء آثار المجزرة، ظنّاً منه بأن جريمته المستمرة على مدى ثماني سنوات ستمرّ بدون عقاب. وكما يقول الحكماء: " إذا اعتاد المجرم على القتل، فليعود نفسه على حبل المشنقة ".
ياسر الحسيني
كاتب وصحافي سوري