الكيماوي الأسدي: مجزرة القرن


 

أرض العطاء والحياة، أرض الخصوبة الغوطة، دمشق التاريخ، دمشق التي لن تنسى هذه الجريمة المروعة، جريمة القرن.  ففي تاريخ 21 آب/أغسطس 2013 استيقظ أهالي ريف دمشق على أهوال مجزرة الكيماوي، في ليلة من ليالي الرعب والموت، ليلة كانت تعيش فيها الغوطتين أشد أنواع الحصار، ليلة الظلام الأسود. في ذلك التاريخ الذي ماتت فيه حقوق الإنسان والإنسانية، ارتكبت في هذا التاريخ ميليشيات نظام الأسد المجزرة من خلال صواريخ محملة بمواد كيميائية (غاز السارين) قتل على أثرها أكثر من 1500 مدني معظمهم من النساء والأطفال. 

كافة التقارير التي صدرت عن المنظمات الدولية من خلال الأدلة التي توفرت لديها، وعلى رأسها منظمة (هيومن رايتس واتش)، وكافة مخابرات الدول عبر مقراته العسكرية القريبة، وعبر أقمارها الصناعية، حددت نقاط إنطلاق هذه الصواريخ، حيث أكدت كل هذه المصادر أن مليشيات النظام هي التي ارتكبت هذه المجزرة بحق أهالي الغوطتين. جاء في نص معاهدة حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل ما يلي (يُرمى من الاتفاقية إلى إزالة فئة كاملة من أسلحة الدمار الشامل، وذلك من خلال حظر استحداث وإنتاج واحتياز وتخزين الأسلحة الكيميائية والاحتفاظ بها أو نقلها أو استعمالها من جانب الدول الأطراف. كما يجب على الدول الأطراف أن تتخذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحظر فيما يتعلق بالأشخاص "الطبيعيين أو الاعتباريين" في إطار ولايتها القضائية) وبالنظر إلى ما جاء في نص الاتفاقية من أن النظام خرق الاتفاقية، لأنه أنتج وخزن الأسلحة الكيميائية، واستخدمها ضد المدنيين من أبناء شعبه. وحسب هذه الاتفاقية والأدلة التي جمعتها المنظمات ومخابرات الدول المتواجدة في سورية، يجب وضع النظام تحت المحاكم الدولية، ودعت عدة أطراف دولية إلى محاسبة النظام وكان في مقدمتهم تركيا، الولايات المتحدة الأميركية، وعلى لسان وزير الخارجية جون كيري دعا نظام الأسد إلى تسليم مخزونه من الأسلحة الكيميائية مقابل عدم القيام بعملية عسكرية، وتم الاتفاق والتنسيق مع روسيا لإتمام هذه الصفقة، ثم تم نقل أكثر من 1300 طن، تم ترحيله عبر ميناء اللاذقية وجرى تسليم الكمية على دفعات. ولعل ردات الفعل الأميركية وتراجعها عن القيام بضربة عسكرية في عهد الرئيس أوباما كانت مخيبة، على اعتبار أن الولايات المتحدة الأميركية ترفع شعارات الحرية والديموقراطية، وهي التي سمحت لهذا النظام أن يفلت من العقاب دون اتخاذ أي إجراء رادع، ضد إجرامه، مما شجع النظام على ارتكاب مجازر أخرى كثيرة مماثلة فيما بعد. وقد تبين أن النظام السوري لم يقم بتسليم كافة المخزون من الأسلحة الكيميائية، حيث أعاد استخدامه في عدة أماكن في سورية، كان آخرها في مدينة خان شيخون بمحافظة ادلب. 

استمر اتهام الدول الغربية والمنظمات الدولية النظام السوري في ارتكاب المجزرة، مع استمرار دفاع روسيا عن النظام في المحافل الدولية، وخاصة في مجلس الأمن لمنع أي قرار يدين النظام السوري، أو يسمح بتدخل عسكري ضده، ولم يُعتمد من قبل الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أي إجراء عقابي ضد النظام مرتكب المجزرة، بل إن هذا السكوت الدولي على جرائم الأسد شجعه على القيام بالمزيد من المجازر اليومية، سواء كانت بالسلاح الكيميائي أو بالبراميل المتفجرة. 

 ولأنه لا أحد يكترث بالمدنيين في سورية، كانت ردة فعل الدول الأوربية والولايات المتحدة الأميركية ضعيفة جدًا، ولم تأخذ على عاتقها تحمل مسؤولية معاقبة نظام الأسد وجرائمه، الأمر الذي دفع نظام الأسد إلى عدم الاكتراث بالقوانين الدولية، وإعادة ضرب مناطق جديدة في سورية. وأيضاً غياب قانون دولي يلزم الدول فيه، وتكون قراراته قائمة على مصالح الدول الست الأعضاء في مجلس الأمن، بقي نظام الأسد بعيدًا عن العقاب.  لكن من حق السوريين وحسب القانون الدولي المطالبة دائمًا بمحاسبة هذا النظام المجرم الذي استخدم أسلحة محرمة دولياً ضد شعبه، وقتل أكثر من مليون سوري، وشرد أكثر من نصف الشعب السوري، لقد أباد النظام قرى وأحياء ومدن بشكل كامل، وعلينا المطالبة بمحاسبة النظام، فالجريمة لا تسقط بالتقادم، ولأن الشهود موجودين، ولابد من معاقبة المجرم مستقبلًا. هذه القضية يجب ملاحقتها في المحاكم الدولية، ومهما حصل من إعادة تدوير الأسد، لا يجوز أن يكون جزءً من مستقبل سورية، ولا يجوز أن يكون له الحق في الترشح كما تروج له روسيا، وإذا بقي النظام من دون محاسبة نكون قد ساعدنا على انتشار الإجرام في العالم، كما يجب على المنظمات الدولية العمل على تخليص الإنسانية من المجرم، لأن أمثاله يبقون خطرًا على الإنسانية جمعاء.  

 

د_ زكريا ملاحفجي

كاتب وباحث سوري  

 
 
Whatsapp