هذا الصباح البائس


 

 

 

لا مناص من مواجهة عسف وسائل التواصل المجانية، واستفزازها لغرائزنا والعبث بوجودنا، بقيمنا الاجتماعية ومصيرنا الجمعي المهترئ أصلًا.

صباحاً وصلني من صديق عربي - جزراوي مقطع فيديو بائس لمقاتلين أو لمحقق من لفيف عصابات قسد - PYD يحققون باحتقار مع رجل عربي فراتي مع زوجته - مُكبّلين وقاموا بتعميةِ عيونهم، سيل الشتائم للعرب وقبائلهم التي يُكيلها المحقق الكردي بزيّ وشعار العصابة البارز بدقة، ثم يرميهما أرضاً ويطأ رأس المرأة بوضاعة، ويستطرد بالإهانة والشتائم الرخيصة ويختتم المشهد بإطلاق الرصاص على رأسيهما من مسدسه الشخصي ببرودٍ ويشتم جميع العرب باللغة الكرديّة ، ويبدو أنه ممنهج ومدروس كما أن بثّ ونشر الفيديو مدروس وخبيث، وليس تسريباً بطولياً لفضح هذه العصابات وأساليب مرّت علينا أول سني الثورة، ويبدو أنها تتكرر لأسباب نفسية واجتماعية صرفة يُقصد منها زيادة وتوسيع الشروخ الاجتماعية شاقولياً، والحفر بمعاول الضغينةِ في عمق الهوّة بين مكوناتنا ( الضحيّة جميعها ) لتنهدم علينا البلاد وتطمرنا، ربما أكثر مما هي مهدومة الآن .

استرجعت وعبر خمسون عاماً من الحكم الطائفي كيف كنّا نشمئزّ حين تحوّلت لهجة الساحل (اللهجة الجبليّة العلويّة) تحديداً كتوصيف - لمصدر تخويف وإرعاب طائفي بوليسي لبقية السوريين، وتعبير صارخ ومقيت عن استبداد لهجوي (لتعرف مع مين عم تحكي) وتتراجع عن أي رفض أو إباء ممكن أن تسوّل به نفسك.

حينذاك كنا نتحدّث خلال سني الدراسة الجامعية فيما بيننا وأحياناً نادرة على هلعٍ وحذر مع من نثق بهم من الزملاء أبناء الطائفة وغيرهم، الذين نثق أنهم ليسوا من كتبة التقارير، ونتساءل بألم: كيف تقبل طائفة ما أو مجموعة بشرية أن تتحوّل لهجتها وتصرفات أوباشها المرضى والجهلة لمصدر تخويف وشِقاق لا يُبقي ولا يَذر!؟

يبدو أن من سرّب بسني الثورة الأولى فيديوهات عن عمليات تعذيب ممنهج ووحشي بتقصّد إبراز اللهجة العلوية بعينها، يتبع ذات الأسلوب الآن بتسريب فيديوهات ممنهجة لتأزيم العلاقة بين العرب والأكراد وتأجيج نعرات الثأر والأحقاد.

والحقيقة أن أسمال أجسادنا مهترئة عرباً وكرداً، وكذلك بين بقية المكونات (الضحيّة) لم تعد تحتمل طعنات جهلٍ وحماقات مطبقة أكثر. 

العرب في الجزيرة السورية الآن وفي المناطق التي يسيطر عليها عصابات ال (PYD) ومرتزقة قنديل الطارئة على ثورتنا ومجتمعنا يعانون الأمرين. 

في هذه الظروف هناك على ما يبدو دراسات نفسية واجتماعية ممنهجة وخبيثة تتسلل بنعومة أفعى بيننا وخصوصاً أن أهل الجزيرة قد تمّ إحراق كل أرزاقهم - عرباً وكرداً - وهذا ما يدفع المأزوم من الطرفين للتشنّج والاحتقان، وأهل الجزيرة بعمومهم يعلمون أن عصابات الإدارة الذاتية هي الأداة القذرة والمشرفة على تنفيذ كل هذه الحرائق وافتعالها عمداً وعن سبق إصرار وترصّد وبتوجيه مباشر من أسيادهم استخبارات الأسد ومن وليهم وسيدهم وحاميهم الأميركي الجديد، مما يدفع المفلس الجائع الذي كان يُمني النفس بحلحلة مصائبه وضوائقه المادية على الموسم لأن ينفجر وربما يلجأ لحمل السلاح مما يمنح أصحاب المشروع الاستعماري فرصة منشودة لحرب أهلية محلية يتم عبرها إتمام مشروعهم بالمذابح البينية وعبر أيدي محلية، والتي ستوفر عليهم أمام الرأي العام هذا الوسخ، ويتم لاحقاً تهجير من بقي ثابتاً في أرضه ولتخلو الجزيرة من المسلمين السنّة ليتفرّغوا لإدارة ونهب ثرواتها الباطنية وكل ما فوق الأرض عبر تغيير ديموغرافي قذر تمّ التخطيط له ويتم الآن تنفيذه على مراحل والتفرغ له والاستفراد بنا منطقة إثر منطقة. أسوأ ما في الأمر أن نتداول كل هذه الاستفزازات الخبيثة البينية المقصودة، والأكثر قبحاً وسوءاً، أن يسكت مثقفو الكرد على ما يتم ويجري ويدفنون رأسهم في رماد الخديعة ولا يؤدون واجبهم الأخلاقي والتاريخي تجاه أهلهم وديارهم ودماء الناس ومصائرنا جميعاً المستهدفة بكل لحظة وموقف مريب من الجميع.

لكن كوكبة من إخوتي وأصدقائي الكرد: مثقفون وأدباء وفنانون مبدعون يقفون بأصواتهم الصارخة على الملأ ليفضحوا كل هذا بلا مواربة. 

أما المترددون الجبناء والمراهنون على الغرباء لتحقيق أحلام الوهم القومي على تلال مقابر وخرائب الجميع فبئساً وسُحقاً. 

هناك الكثير من أدعياء الثقافة والأدب والتنوير الكردي - وكذلك بعض العروبيون الإسلامويون الحمقى المتخلّفين عن فهم وسعة أفق عموم أهلنا الأكراد والعرب الشعبيون والبسطاء المتقدمون علينا جميعاً والرافضين لكل انتهاكات وجرائم ومشاريع عصابات الPYD) ) مرتزقة السيّد الأميركي الطارئ.

لابد أن ننتبه ونحذر فالمؤسسات الإستراتيجية للخراب والفتنة مركزها العميق في لندن وواشنطن وباريس وطهران إضافة لعواصم أخرى.) إن فهمنا حقيقة المشروع الاستعماري الغربي علينا أن نستعد ونشحذ سيوفنا بانتظار وصول البرابرة).

 

 

محمد صالح عويد

شاعر وكاتب سوري

 
Whatsapp