خيالات مُتدفقة


 

الليل مملكة الأحلامِ، قلوبها الصغيرة بعمر نبضات الأرضِ اللامتناهية، 

بدا الخيال لي مثل الحقيقة يوم صادفت حلمي مستلقياً بكامل جماله 

على بساطي الأخضر الذي فرشتهُ له يوماً، تُحيط به براعم لم تتفتح بعد.

حاولت لمسه فقذفني غضبه نحو أغوار نفسي المغلقة بستائرَ قاتمةٍ 

حجبت عن أيامي الخالية نور النهار الرحيب، ونسمات الليل الرطيبة.

ما أرعبني سرعة امتداده وازدياد حجمه كما لو أنّه جنيّ مارد خرج من 

قُمقمهِ، وزاد جنوني حين سدّ في وجهي مخارج الهروب. 

كان شكّي يحلق بسؤاله حول يقيني: 

أهذا هو حلمكِ الذي أحببته وزهوت بعطائه مطمئنةً لوجوده!

قد كره سجنكِ الذهبيّ وأحلامكِ المعلّقة الخاسرة، بعد أن كان طامحاً 

لتحقيق أمانيكِ الرابحة! 

أُقسم لكم: إنّه حلمي الحيّ، بزغ في يقظتي! خرجَ بكلّ عظمته منيّ

ليُذكّرني بنعمة امتداد الحياة الجديدة قبل أن تطويني ترنيمة الموت،

وإن فقدت إيماني بهِ لحظةً وافترقنا لوهلةٍ، سيعود ليسكن فيّ من جديد

كما النّدى يسكن في قلب الصباح. 

سنرقص معاً رقصة النار الملتهبة لنغلُبَ ظلمة الليلِ ضوءاً، وننشد علناً 

أغنية قوس قزح راعي الألوان المُحلِّق بالجمال لنُخضعَ الرؤى لنور الفجر 

المُكتمل بالبهاء.

………

خُلقَ الصّدى مذ أحاط بالكون الفضاء، ليردِّد الأصوات ويعيدُها كما هي 

بصفائها وعكرها إلى الأذهان. 

تخيلته مثل حلم هائل شفاف غامض يسكن في الكلمات، وله عيون يفتحها 

بمجرد تحريك الشفاه.

في صباح مشرق أصاب الصّدى مللّ قاتل، زاهداً من التكرار، فقررَ أن يستريح في ساحة الأفكار المتزاحمة بالآراء المختلفة.

لفّ حول صدره الواسع وشاحه الأبيض الطويل وعليه نقش كلمات ضخمةً

رسم أحرفها بالنار لتراها عين الرّائي من بُعدِ آلاف الأميال، عسى رقيب 

النفوس ينتبه ويُعيد النظر بصحة أو ضلال ما يضمرون: 

-اصمتوا عندما تكون دواخلُكم لا تُعبّر عن صدق مشاعركم والأفكار -

لكنّ الأفكار الثرثارةَ المتشدقةَ بالأفعال المُواربة والإدعاءات المُخادعة 

خرقت حِكمةَ الصّدى وقانون الأخلاق.

لأوّل مرّة في حياته الأبدية، استشاط الصّدى غضباً، مدّ لسانه الفصيح عالياً، 

وأرجع صدى الكلمات بصدق ما في النفوس، وأغلق بهديره كذب الأفواه. 

………

ثوب الحرية أبيض كالثلج ذو خطوط حمراءَ داكنةٍ تتقاطع مع خطوط 

أُخرى ورديةٍ شفافةٍ، لم تبهتْ ألوانَهُ منذ بدء الحياة، وسيبقى شبابها الدائم حتّى صمت الأبدية. 

تناوبتْ مشاعرها عَبر السنين بين حزنٍ وفرحٍ، وسكونٍ وغضبٍ.

يوم امتطتْ الحرية الريحَ فاردةً أفكارها المُثمرة لمن يشتهي، تاركَةً أثارُها 

على أطرافِ الوجودِ، فتفتّحتْ الأبصارُ النائمة، وسجدتْ لها العقولُ النيرَةُ، 

وأصبحتْ بعشقِها عبيداً.

اِنسلَّ نبضها القويّ إلى عمق النفوس، وجمعتْ الأنفاس المُتشردة كما أوتار 

الكمان المتفرقة تجتمع وتتوحّد بنغمٍ واحدٍ وأغنيَةٍ واحدةٍ وحبٍّ واحدٍ. 

صِاغوا موسيقاها الخالدة من دموع العدم، وأهازيج الحياة لتروي ظمأ 

أرواحهم من عصارة حبّها الذي لا ينضب.

………

خيال يُحرك المخاوف ويُثير زوبعةً من التساؤلات المتضاربة، ويسرِق الدهشة بمعان رموزه، قدْ أوقع نوره الباهر في عيون القرّاء. 

وأنا احتوتني فرحةٌ لا يمكن إدراكها، فانحنيت تواضعاً لحرية خيالي المُذهل، 

الماكر في التسديد وإصابة الأهداف.

 

منى أشقر

شاعرة وكاتبة سورية

 
 
Whatsapp