في الطريق إلى مرمرة


 

 

 

هؤلاء القادمات من مدائن الأجراس والرنين المعدني 

اللواتي يرتدين قبعات كبيرة تحت الشمس في شوارع الزحام 

وتلكم المتشحات بالمناديل - في الطريق إلى فلوريا - 

في الممرات، في الأسواق، في المحطات 

وعلى مقربة من القصور المقبّبة 

هؤلاء اللواتي يذكرننا بجواري السلاطين 

ماذا يخبئن تحت السواد غير أحلام الرجال؟

غير تراكم الشهوة تحت القباب المرصعة 

وعلى صدى المنارات الباذخة ..

يا لذلك الحضور الباذخ للجمال 

لانكسارات الوهج المتألق في حاضرة إستانبول 

حيث شوارع التوليب 

أسواق العطورات 

زحمة القطارات والأنفاق 

في أمينونو، في تقسيم وأكسراي، وكباتاش 

في المواعيد المسروقة من ظهيرات الورش الصاخبة 

وغزل النسيج تحت النوافذ الحالمة 

وانحناء الزهور تحت الشمس 

ونوح الحمام على غصون المنوليا

وتراتيل المآذن وصدى القباب المرصعة

.....

 

لم يكن لوجهك الغريب 

الذي كان يتأوب في زحمة العربات 

في الممرات 

على حواف الكؤوس 

في حرقة الظهيرات 

في الحدائق 

في رذاذ النوافير 

في وخز الحنين المتراكم في المفاصل 

في العبور المتسارع للأوقات.

لم يكن على ورد خديك وشم أميرة سلجوقية 

ولا فوق شفتيك سر حكاية بيزنطية.

ليس ثمة ما ينبئ بسبايا الملوك المهزومين 

أو تجّار طريق الحرير والتوابل 

ولا أنفاس عشاق مارقين وسط هذا الزحام 

أنت ههنا.. إذ تروحين وتجيئين 

تملئين المسافة بين ضفتي مرمرة

بين قلبي وبين بيادر الطفولة 

بين ثلج العواصم وحريق البلاد الذي يطاردني 

وأنت تلوحين براحتيك 

تزيدين اشتعالي اشتعالا 

...

 

ربما كان على جبال البيرينيه .... في أقصى الغرب 

أن يمدّ بظله الكثيف على جسر البوسفور 

كي يمر العاشقون على بساط الندى 

وللورد المنمق في الشوارع 

أن يوقظ سيرة المواعيد

لموسيقى الفرق الجوالة في المقاهي 

أن تلوّن صدى الآذان قليلا 

وإلا؟ منذا الذي يجمع شمل الروح 

أيتها الغريبة مثلي؟

ولتعلمي أن عاشقاً لا يحتوي زحمة المدائن 

فرح العاشقين وحزنهم أينما كانوا 

خائب الرؤية والرؤى 

....

 

هكذا يتسع القلب للمواكب 

كما تكتنز القصيدة بالنجوم والفصول والألوان 

هكذا كان لعينيك هذا الفضاء 

وتلكم المنافذ للعبور 

إلى الضفة الأخرى.

------------

اللوحة للشاعر رسمها في استنبول 2015

 

 

عنايت عطار

فنان وشاعر سوري

 
 
Whatsapp