يُكمل الاحتلال الروسي في شهر أيلول/ سبتمبر الحالي عامه الرابع في سورية. وهو الذي جاء محتلًا وداعمًا لنظام بشار الأسد، أواخر أيلول/ سبتمبر 2015، بعد أن شارف النظام الأسدي على الانهيار، وتهاوت دعائمه، وأصبحت المعارضة تسيطر في حينها على ما ينوف عن 70 بالمائة من الجغرافيا السورية.
لم يكن دخول (الاتحاد الروسي) مضمار الساحة السورية، دعمًا لنظام فقد الشرعية فقط، بل تعدى ذلك إلى أنه محاولة روسية بوتينية لإعادة الهيمنة على الشرق الأوسط، وواسطة العِقد فيه سورية، وإعادة تموضع إمبراطوري روسي على المنطقة، وصولًا إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط، واللعب في المسألة الجيوسياسية للمنطقة، في مواجهة القطبية الواحدة التي طالما أمسكت بخناق العالم أجمع، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أوائل التسعينيات من القرن المنصرم.
في هذه الذكرى المشؤومة للاحتلال الروسي الكولونيالي، الذي ترك أثره على الحالة السورية برمتها، وأعاد انتاج أو تدوير النظام الأسدي، بعد أن كان آيلا للسقوط، رغم كل الدعم الإيراني، ومشاركة حزب الله ومن معه من مليشيات طائفية استُقدمت من كل أنحاء العالم لتعيد قيامة الأسد الذي أحرق البلد. كان لابد من وقفة موضوعية مع ما آلت إليه الأمور بعد التدخل الروسي، ومضي أربع سنوات على احتلاله لسورية، حيث سألت صحيفة إشراق أهل السياسة والثقافة في الصالون السياسي السوري في عينتاب عن نظرتهم إلى طبيعة هذا الاحتلال، ومستقبله على الوضع السوري، ومن ثم واقع الثورة السورية وفق ذلك؟ وهل من إمكانية حالية أو مستقبلية لكنسه من الجغرافيا السورية عمومًا؟
السيد علاء الدين حسو الاعلامي وعضو الصالون السياسي قال " أكدت روسيا منذ بداية الثورة أنها لن تسمح بالتدخل الدولي وكان يومها بوتين رئيسًا للوزراء، في إطار مسرحية اللعبة الدستورية، ووصف ذلك قائلًا " إن من يدخل سورية مثل فيل يدخل متجرًا للزجاجيات". وبدأ منذ اللحظة الأولى في إفشال أي تقدم للثورة السورية بالتوازي مع إجهاض أية محاولة للجم وحشية النظام. وتدخل بشكل مباشر حين شعر بانهيار النظام. كما ساهم المجتمع الدولي في ذلك. وطبعًا أدى هذا التدخل المباشر إلى التغيير في الميدان، ومن ثم بدأ يفرض رؤيته، في حالة اصرار على ذلك، دون أن يسمع للآخرين بما فيهم أميركا، إلا بما يفيد وجهة نظره أو تتوافق معها. وهو يتحكم اليوم بالمؤسسة العسكرية للنظام، ويعيد ترتبيها، وكما نعلم فإنه أخذ مجموعة من الأطفال السوريين كي يدربهم للمستقبل الروسي المنشود. وموسكو ليست كأوروبا إذ لا تنظر للأمر من الناحية الإنسانية، بل كيف تستفيد منها لمصالحها الاقتصادية. لا مكان للإنسانية عند بوتين. لذلك ستعمل لتحقيق رؤيتها بشكل كامل. والمجتمع الدولي راض بشكل غير مباشر بما تقوم به روسيا. وإلا كيف نفسر ما يحدث من قتل وتهجير وتدمير للمشافي والبنية التحتية، ولديها ورقة من ذهب بأنها تحارب الإرهاب". ثم أضاف " بالنسبة للثورة السورية انطلقت ولن تتوقف. ربما تم اجهاضها عسكريًا، لكنها أفرزت جيلًا تحرر من السجن الأمني، وهذا ما سنجده قريبًا عبر السنوات القادمة وهو التحدي الأكبر لروسيا. المتغيرات الميدانية والسياسية متسارعة. ولا يمكن فصل ما يحدث عما يجري في العالم، وتدرك روسيا ذلك. وهذا يقودنا إلى سورية المستقبل، التي ستكون اتحادية أو ما يشبه ذلك. وروسيا تريدها اتحادية مثلها. وبينما القوى الاقليمية والدولية الأخرى تريدها مثل الأمارات. وقد بات من الصعب حاليًا تجاهل الدور الروسي، وحتى دور النظام. والمرحلة القادمة ستحددها الاجتماعات القريبة. إما الحرب والصراع لفترة أخرى، أو الهدنة لحين تنتهي موجة الانتخابات الأميركية والروسية أو البدء برؤية روسيا، مع تعديلها بما يناسب الأخرى. وكل ذلك بموافقة أميركية، وختم القبول على التسوية النهائية بيد أميركا، هكذا كان في البوسنة، وهكذا سيكون في سورية".
أما الأكاديمي محيي الدين بنانا عضو الصالون السياسي، والوزير السابق في الحكومة السورية المؤقتة فقد صرح لإشراق قائلاً " أرى أن مصالح روسيا في سورية كبيرة جدًا فهي منذ عهد امبراطورة روسيا (ايكاترينا) الثانية، وهي تنظر إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط، ولذلك فقد وجد بوتين الوقت المناسب لبسط نفوذ روسيا على سورية. هذا ما يطمح إليه المحتل الروسي ولكن التصور الأميركي، وهو من وجهة نظري، ما ينفذ على الواقع، يؤدي إلى أن الوجود الروسي سيقتصر على طرطوس وحميميم على الأغلب، لضمان مصالح روسيا المستقبلية ليس في سورية فقط، وإنما في المنطقة، وما يحصل الآن من تعاظم الدور الروسي في سورية، يدخل ضمن المخطط الأميركي الهادف إلى تورط الجميع، وإنهاك الجميع، وتدمير المنطقة خدمة للحليف الاستراتيجي العدو الصهيوني". وأردف قائلًا " هناك عنصر المقاومة للاحتلال الروسي، الذي تعاظم دون تغطية إعلامية. حوادث اغتيالات للروس في حلب والجنوب، كل ذلك يؤكد دحر الغزو والاحتلال الروسي، وطرد الروس وكل المحتلين من الأراضي السورية ".
من جهته قال حسن الشاغل أمين سر الصالون السياسي "عندما نتحدث عن التواجد الروسي تاريخيًا في سورية، نقول إنه موجود منذ أيام الاتحاد السوفياتي، حيث حرصت حكومة الاتحاد السوفياتي على التواجد في سواحل سوريا من أجل حماية مصالحها في البحر المتوسط. وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي، عملت روسيا على إعادة تمركزها في الساحل السوري في مدينة طرطوس.
وإذا أردنا أن نتنبأ في مستقبل التواجد الروسي في سورية، يجب علينا وعي الواقع الروسي، فدولياً: تعمل روسيا على إعادة هيبتها وتمركزها، وأخذ موقعها في الساحة الدولية، وقد انطلق بوتين في ذلك، من خلال الاعتماد على احتياطات روسية من موارد الطاقة لتنمية الاقتصاد الروسي، ومن خلال احتياطاتها الكبيرة استطاعت التأثير في سوق الطاقة الدولية بشكل كبير. لكن روسيا اليوم دولة شبه محاصرة جغرافياً من قبل دول الناتو، بعد ما انضمت دول البلطيق إلى الناتو، وعدم تحكم روسيا بالمضائق البحرية المجاورة لها، أصبحت روسيا معزولة". ثم قال " رأت روسيا أنه لابد من أن يكون عندها قاعدة عسكرية في البحر المتوسط لحماية مصالحها، وتعتبر القاعدة الروسية المتواجدة في طرطوس من أهم النقاط الاستراتيجية في شرق المتوسط، لتوسطها منطقة الشرق الأوسط وخاصة منطقة مصالح الدول الغربية، و هي قريبة من قناة السويس، ومضيق البوسفور الذي تخرج منه أغلب صادرات روسيا.
القاعدة الروسية في طرطوس هي القاعدة الوحيدة خارج الحدود الروسية التي تحمي مصالح روسيا على الطرق الدولية، خاصة بعدما أصبحت الولايات المتحدة الأميركية تمتلك قواعد عسكرية من ليبيا غرباً إلى أفغانستان شرقًا. هذا الوضع الدولي الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية جعل روسيا تتمسك بسورية، بشكل أصبحت روسيا تعد أن تواجدها وحماية قاعدتها العسكرية جزءً من أمنها القومي. وبالنظر إلى الخارطة الجيوسياسية فإن روسيا لن تخرج من سورية، وخاصة بعد توقيع عدة اتفاقيات مع النظام السوري، وأهمها ميناء طرطوس واتفاقيات أخرى. لكن إرادة الشعوب هي التي تفرض كلمتها، ولابد للمحتل من الجلاء عن أرض وطننا.
أحمد مظهر سعدو
رئيس القسم السياسي