الاحتلال الروسي لسورية وسرقة مواردها، وتدمير ثرواتها وقصف بيوت الآمنين وترويعهم تحت ذرائع وهمية بدعوى محاربة الإرهاب، يؤكد ما يذهب إليه الكثيرون من أن روسيا ليست في الحقيقة سوى نظام إرهاب، تمخض عنه في النهاية احتلال، كما نتج عن ذلك سيطرة الاتحاد الروسي على الكثير من المواقع الحيوية في سورية، هذا الاحتلال الدموي لا يختلف عن وحشية إسرائيل وعنفوانها عبر ما فعلته بحق الفلسطينين عام 1948م، وتهجيرهم عن بيوتهم وأوطانهم قسراً، وعمليات الإبادة الجماعية التي نفذتها في قرى دير ياسين وغيرها، والتي أسفرت عن سقوط الشهداء، لتبقى المدينة حية وشاهدة على جرائمه حتى يومنا هذا.
المتأمل للنظام الروسي ووحشيته في المنطقة يرى بكل تأكيد أسبقيته التاريخية ووحشيته في تنفيذ جرائم الإعدام والقتل بحق المسلمين، لا سيما في القوقاز وآسيا الوسطى في القرن التاسع عشر، وهذا يتقاطع فعلياً مع ما نفذته عصابات (شتيرن والهاغاناة) وغيرها بحق الفلسطينيين والتي قادت إلى قتل الأطفال والتمثيل بجثثهم، واغتصاب النساء الحوامل، والتمثيل بأجنتهن تحت دعاوى محاربة الإرهاب.
الارهاب الروسي والاسرائيلي وجهان لعملة واحد:
لعلنا ندرك تماماً أن ما قامت به روسيا في سورية لا يُفهم إلا في إطار تدعيم سيطرتها على المنطقة وإظهار ذاتها على أنها القطب الأكثر قدرة على إدارة المنطقة، لاسيما بعد تراجع الدور الأميركي في بعض القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط، واهتمام روسيا بسورية لا يقل عن الاهتمام الاسرائيلي بفلسطين، فعدوهما السوريين والفلسطينيين، وهدفهما الإسلام ذاته، وكمية الحقد لديهما تجعلهما ينفذان كل مايريدان تحت (غطاء إنساني) بحجة محاربة الارهاب.
استهداف روسيا والنظام السوري بالسلاح الكيماوي للمدن والأحياء السورية، يشبه الاحتلال الاسرائيلي الذي نفذ مجازره ضد أهل غزة أواخر عام 2008 وبداية عام 2009 من خلال استخدامه للسلاح الكيماوي، والذي نتج عنه ولادة مشوهة للأجنة، وإعاقات مستديمة في صفوف الفلسطينين حتى يومنا، وهو نفس الاحتلال الروسي الذي قصف الغوطة وحلب، وإدلب والمدن السورية، من خلال أسلحة محرمة دولياً، في وقت تدعي فيه بـأنها واحة الديمقراطية.
ولا أعتقد بالكامل أن من يجرؤ على استخدام القتل المتعمد من خلال استخدام الاسلحة المحرمة الدولية هو أهلُ للديمقراطية وصاحبُ لها، وإني أعبر بصراحة لو أن العرب نفذوا مجازر بحق الاسرائيليين والروس لقلب الغرب الطاولة على العرب رأساً على العرب، وحشدت قوانين الأمن الدولي البائد تجاهم وأمرت بالقضاء عليهم.
المطلوب سوريًا وفلسطينياً؟
يتحقق النضال بالأفعال، وهذا يحتاج لجهد بشري يتوكل على الله، وإرادة داخلية تؤمن بحق تقرير المصير، أما الاتكال على النظم العربية فليست سوى ضياعًا للوقت وسقوط المزيد من الضحايا. فلسطين شاهدةً على ذلك عبر سنوات طويلة من عقد المؤتمرات والاتفاقيات بشأن تحجيم الكيان الاسرائيلي، لكن الاحتلال الاسرائيلي تمدد برعاية نظم عربية وغربية وترك آثاره على كل جدار وزاوية فلسطينية من خلال التطبيع معه فلسطينياً أو عربياً، وهذا ما يحدث الآن في سورية من خلال افتتاح معاهد لتعليم اللغة الروسية في إشارة واضحة إلى مسح الهوية السورية وآثارها واستبدالها بالهوية الروسية.
د. معاذ عليوي
باحث فلسطيني