عصابة الكرملين


 

 

لم تقتصر الغطرسة الروسية على جيرانها بل أينما سنحت لها الفرص، لكنها وبعد أن أدركت بأن هذا لن يستمر في دولٍ مثل "جورجيا" و"أوكرانيا" عملت على اقتطاع جزء من الدول الخارجة عن نير سيطرتها فسلخت أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا عام 2008 وصنعت منها دولاً مستقلة (لم يعترف بها حتى الآن أحد غيرها).

وكذلك ما فعلته في أوكرانيا حيث ضمت شبه جزيرة القرم واقتطعت ما سمته بجمهورية "دونيتسك" الشعبية.

فالإجرام المافيوي الروسي والقرصنة الروسية ليست جديدة بل قديمة قدم التاريخ فقد استطاع الروس أن يبتلعوا أجزاء كبيرة من بلاد المسلمين خلال القرن الثاني عشر للهجرة، مثل القرم ومغول الشمال وتركستان والقوقاز وبمجرد دخولهم لأي من هذه المناطق كان الروس دائماً ما يرتكبون أبشع المجازر للتنكيل بالمسلمين، والتي فاقت في بشاعتها محاكم التفتيش بالأندلس حيث كانوا في القرم يبدأون بالقتل وهتك الأعراض، ويتفننون في تعذيب المسلمين، كان الروس يعتبرون اعتناق أي ديانة غير الديانة المسيحية الأرثوذوكسية جريمة تستحق عقوبة الإعدام، ما اضطر المسلمون إلى كتمان إسلامهم آنذاك وتوريثه لأبنائهم سراً ، كما كان الحال مع "المورسكيين" بعد سقوط الأندلس. 

من أصل خمس ملايين مسلم في شبه جزيرة القرم، لم يتبق فيها اليوم إلا ما يقارب نصف مليون مسلم فقط!

في العام ١٢٩٣ للهجرة خرجت تركستان من الحكم الإسلامي عندما أطبق الروس السيطرة على أغلب مناطقها، باستثناء "تركستان الشرقية"، التي سيطرت عليها الصين، وما زالت إلى اليوم تعاملهم بأبشع الطرق وترتكب فيهم المجازر.

وما إن دخل الروس تركستان حتى واصلوا ما بدأوه في القرم من جرائم، وكلما قامت ثورة إسلامية، انقضّ عليها الروس الأرثوذوكس والشيوعيون لاحقاً وأخمدوها بأبشع الطرق.

مع سقوط الاتحاد السوفياتي عام ١٩٩١ م استقلت الولايات المختلفة في إقليم تركستان، وتكونت دول مثل "أوزباكستان" و"طاجكستان" وغيرها. لكن ما زالت روسيا قائمة إلى اليوم على إيجاد نفوذ لها في هذه الدول، إلى أن واجهت هذه الدول مشاكل زيادة الوافدين الروس إليها، فوصلت نسبتهم في كازاخستان مثلاً إلى أكثر من ربع السكان، وبات المسلمون فيها اليوم أقلية!

العام الخامس للتدخل الروسي في سورية

بدأ التدخل الروسي في سورية أواخر العام 2015 وتحديداً في شهر أيلول/سبتمبر، لتعلن صراحةً وقوفها ومساندتها لنظام الأسد في حربه ضد المواطنين العزّل، حيث أن نظام دمشق لم يدّخر أسلوباً وحشياً إلا واستخدمه في قمع ثورة الشعب السوري منذ انطلاقتها في شهر آذار/مارس من العام2011 قصفاً وقتلاً واعتقالاً وتهجيراً، وقد تدخلت روسيا عسكرياً مدعية بأن دخولها تم بطلب رسمي من حكومة النظام السوري والتي تعتبرها "شرعية".!

ارتكبت عشرات المجازر بحق المدنيين، بل كان لها الدور الكبير في تمكين نظام الأسد من استعادة السيطرة على العديد من المناطق الثائرة التي خرجت عن حكمه منذ تدخلها وعدوانها على الأراضي السورية بحجج واهية تذرعت بها لنفسها بدءاً بمحاربة "الإرهاب" وانتهاءً بحماية "المسيحيين الأرثوذوكس". وحقيقة الأمر انتهزت الفرصة واستغلت الظروف حيث عززت من تواجدها ووسعت قواعدها العسكرية بتواطؤ من النظام السوري.

المتتبع للأحداث يدرك أن "روسيا بوتين" قد ساهمت بشكل كبير ومباشر في تغيير التركيبة الديموغرافية للمحافظات السورية والمناطق الثائرة من خلال تفريغ تلك المناطق من أهلها بعد العمليات العسكرية القذرة ورعايتها لما سمي باتفاقيات "المصالحات الوطنية" والتي أطلق عليها السوريون اتفاقيات التهجير القسري.

في آب/ أغسطس 2015 ، وقّعت موسكو ودمشق اتفاقية تسمح لروسيا بتأسيس "قاعدة حميميم الجوية" في محافظة اللاذقية من أجل انطلاق عملياتها العسكرية منها، وعلى مدار عام عمل الروس على تصديق اتفاقيات في شهر تشرين الأول/أكتوبر من أجل السيطرة الدائمة على القاعدة الجوية الاستراتيجية، وإبقاء قواتها الجوية فيها بصورة دائمة بناءً على طلب النظام السوري، هذه الاتفاقية المذلة والتي تمتد إلى أربعين سنة، تسمح لروسيا بالإبقاء على القاعدة الجوية وأن يكون لها السيادة على الأرض أيضاً، وأن يكون لها 11 سفينة حربية، تشمل سفن تعمل بالطاقة النووية، و يكون لها الخيار لتمديد هذه الاتفاقية لمدة خمسة وعشرين سنة أخرى، وبعد عدة شهور وتحديداً في كانون الثاني/يناير 2017، أَتبعت روسيا هذه الاتفاقية باتفاقية أخرى من أجل زيادة تواجدها العسكري من خلال مركز بحري في مدينة طرطوس، وهي اتفاقية هامة بالنسبة للروس، حيث هذا المركز البحري يعتبر القاعدة العسكرية البحرية الروسية الوحيدة خارج أراضي الاتحاد السوفياتي السابق والدول الأخرى التابعة لها، الأمر الذي يوفر للروس الوصول المباشر للبحر المتوسط وهو هدف طالما سعت روسيا لتحقيقه.  

وقامت روسيا بنشر قوات برية كبيرة في مختلف أنحاء سوريا. وتشير تقديرات الخبراء العسكريين لهذه القوات إلى وجود حوالي 4000 جندي على الأرض، يشملوا شركات عسكرية خاصة (مثل إينوت كورب ENOT Corp، (وواجنر Wagner)، ومجموعة (مورجان للأمن Morgan Security Group) إضافة إلى قوات الشرطة العسكرية الروسية المزودة بأسلحة حديثة، وقد تم مؤخراً ضخ حوالي 1700 مستشار عسكري روسي في سورية.

 

 

محمد علي صابوني

  كاتب سوري

 
Whatsapp