الطاعون


 

بعد بضعة أيام على اتفاقية سوتشي التي تم توقيعها في أيلول/ سبتمبر2018 صرح لافروف وزير الخارجية الروسي معلّقاً عليها بأنّها ليست سوى (مرحلة انتقالية).!

تكمن خطورة مثل هذا التصريح أنه أماط اللثام عن حقيقة الخديعة الروسية الجديدة التي ربما ستكون قاصمة الظهر للمعارضة السوريّة، إن استسلمت لها ووثقت بها.

لأنها اتفاقية تبطن خلاف ما تظهر؛ فبدهي أن تعبير (المرحلة الانتقالية) يعني أنها مرحلة التأسيس لمرحلة قادمة دائمة وثابتة يُرسم لها بالخفاء، وستؤدي تلقائيّا ً إلى تكرار صور الخدعة القديمة بجغرافية جديدة في إدلب وريف حماة هذه المرة.

من جهة أخرى فإنّ المنطقة المنزوعة الأسلحة الثقيلة سوف تضعف المعارضة المعتدلة، وتحجّم قدراتها الدفاعية، وستفتح أبوابها للنظام وميليشيات الغدر بدعم وحماية الروسي وحلفائه، تمهيداً لاقتحامها بحجة أو بأخرى وإعادة احتلالها من جديد.

لعل الخلاص من النصرة (على أهمّيته) ونزع أسلحة المعارضة، يعني بشكل من الأشكال جعل إدلب مدينة مفتوحة لكل الغزاة الطامعين بالحصن الأخير من حصون المعارضة المعتدلة.

ويعني بعد ذلك وضع تركيا وجهاً لوجه أمام الأمر الواقع الجديد، والذي سيدفعها للتفاوض على هذا الواقع من نقطة الصفر، فليس من مصلحتها المغامرة بجيشها والدفع به إلى التهلكة بحرب مع الحليف الروسي أو غيره، وخاصة أن ميلشيات ال (PKK) مازالت متربّصة بها على حدودها الجنوبيّة، والجنوبيّة الشرقيّة منذ زمن.

وليست هذه الميلشيات التي اعتمدتها الإدارة الأميركية في الشمال السوري إلا نموذجاً أو شكلًا لحروبهم الجديدة لفرض إرادتهم على حصتهم من سورية، وفرض شروطهم في التفاوض مع تركيا.

وميليشيا قسد ليست إلا الامتداد الطبيعي لمئات الميلشيات العميلة التي خلقوها بالمنطقة، بدءً من الحشد الشعبي في العراق والذي تخلّق بالرحم الإيراني، وليس انتهاء بالميلشيات الحوثية وأنصار الله في اليمن، وهي- كما هو واضح - أدوات طيّعة بيد أسيادها، وليس أدل على ذلك من تفكيك الوجود القسدي قبل أسبوعين تقريباً في تل أبيض شمال الرقة السورية، بمجرد تلقي الأمر بذلك من السيد الأميركي.

 إن اتخاذ داعش وملحقاتها ذريعة لتدمير معظم سورية (الرقّة مثلًا) - شجعهم على اتخاذ النصرة ذريعة للقضاء على البقية الباقية من الجيش الحر والمعارضة المعتدلة في إدلب وتدميرها والفتك بالمدنيين الأبرياء من أهلها كخطوة أولى ومبدئية لدفع تركيا للانسحاب من أي دور إقليمي، والتقوقع على نفسها في شرنقة مصالحها الخاصة.

مرت شهور على الحرب في إدلب وريفي حماة واللاذقية، ولم تفلح روسيا التي زجت بكل منتجاتها الحربية في عدوانها، بالحصول على مكاسب مادية ملموسة كانت تتوقعها خلال أسابيع، بل فشلت استراتيجيتها العسكرية، ولم تنجح إلا في الخطة (الغروزنية) التدميرية التي مازالت معششة في عقل دبها العسكري المتوحش الذي قتل الآلاف من الأبرياء بقصفه الهمجي جوًا من جهة، كما ضحى برًا بحليفه النظام وجيشه وميلشياته الرديفة كقربان على خشبة إدلب، ولم يأت بالثمار التي كان يرسم لها من جهة أخرى.

فهل ستكون المرحلة الانتقالية التي ابتكروها في (سوتشي) مرحلة للخلاص والسير نحو إطفاء النيران المستعرة في سورية كما يزعم الكثيرون؛ أم ستكون مرحلة للعودة إلى عهد القيود والأصفاد وطاعون الاستبداد من جديد؟!

وكما حذّروا قديمًا من مغبّة اللدغ من الجحر ذاته مرتين، فإن المشهد ينبئ بلدغ آتٍ، ولكن ليس لمرّتين، بل للمرّتين بعد الألف؛.

 

 

عصام حقي

كاتب سوري

 
Whatsapp