دير الزور رمزٌ وعطاء


 

 

 


 

ودير الزُّورِ مِثلُ الماءِ عندي

وما جدوى حَياةٍ دونَ ماءِ؟

رَقَمْتُ بها كِتابَ الحبِّ نَهْجاً

وأحمِلُهُ إلى يومِ القضاءِ

ولي في كُلِّ زاويةٍ ونادٍ

مَقامٌ للْمودَّةِ والوَفاءِ

وأمواجُ «الفُراتِ» لها نَشيدٌ

يُرتَّلُ في الصَّباحِ وفي المساءِ

لنا غَربٌ على الشَّطَّيْنِ ثَاوٍ *

عَشِقْنا ظلَّهُ عَذْبَ الغِطَاءِ

لنا «الجِسرُ المعلّق» حينَ يرمِي

بقامتِهِ على مَدِّ الفَضَاءِ

وحَشْدُ مقاصِفٍ للنَّهرِ تُغْني

تَواصُلَنا لِنَنْعُمَ بِالصَّفاءِ

تَطوفُ بِنا الحَياةُ على مَداها

ويرسُمُ دَرْبَنا ربُّ السَّماءِ

فمِنْ حَرٍّ نذوقُ لَظاهُ صَيْفاً

إلى صِرٍّ يَحِلُّ معَ الشِّتاءِ

كَذا سِرْنا ومازالتْ خُطانا

تَحِنُّ هَوىً إلى يومِ اللِّقاءِ

* * *

تَقاسَمَنا الغزاةُ كمَا أرادُوا

وبَزُّوا في الثَّرى عبَقَ الثَّراءِ *

فَبَعْضٌ بَاعَنا عَرَضَاً زَهِيدَاً

لِكُلِّ مُسَاومٍ عِنْدَ الشِّراءِ

وآخَرُ شَادَ في المَغْنَى حُصونَاً

ودُوراً للتَّرصُّدِ والبَغَاءِ

وطاغٍ دَمَّرَ البُنْيانَ حتَّى

تَباكَى التُّرْبُ مِنْ أثَرِ الرِّمَاءِ *

رِياضُ ديارِنا أضْحَتْ جَحيماً

يُريكَ الهَمَّ مِنْ أَلِفٍ لِيَاءِ

خَسِئْتُم يا لُصَوصَ الأرضِ وَجْهاً

يُغازِلُنا ويَنْضَحُ بِالرِّيَاءِ

ومهْمَا طالَ محضَرُكمْ سَيبقى

على الأيَّامِ أقْصَرَ مِن حِذائي

تَزولُ مَرارةُ الإِذلالِ حُكْماً

بِلا أَسَفٍ وَنَفْرحُ بِالجَلاءِ

رُبُوعِ «الدَّيْرِ» في دَمِنَا سَنَاها

ولفْحُ هَجيرِها نَفْحُ الرَّجاءِ

لِأهْلِ النَّخْوةِ الأَطْهارِ شِعْري

ولَمْ أقْصُدْ جَنَابَ الأدْعِياءِ

وكُلُّ رَغِيبَةٍ في الكَونِ تَفْنَى

ويبْقَى الدَّيرُ رَمْزاً لِلْعَطَاءِ

-------

- الغرب: شجر ينمو على ضفاف الفرات

- بزّ: سرق

- الرماء: بقايا الهدم

 

 

فاضل سفّان

شاعر سوري

 
Whatsapp