تعيش دير الزور منذ تحريرها من سلطة " داعش " قبل سنة، أوضاعًا مأساوية معقدة. إذ بينما يصفها الإعلام بالمحررة، لكنها تعيش في الواقع عدة احتلالات في آن واحد، ايراني، وكردي، وروسي وأسدي. وهي مقسمة جغرافيًا إلى شطرين، يفصل بينهما نهر الفرات، فإلى الشرق تسيطر قوات (قسد) الكردية بحماية التحالف الدولي. وفي الغرب تسيطر ميلشيات إيرانية، تحت رايات النظام، وقوات روسية وأسدية تتمركز في قلب المدينة.
ويشتكي عرب المحافظة من الاحتلالين الرئيسيين الايراني والكردي، إذ يتعرضون لتنكيل منهجي، ومخططات تستهدف هويتهم، وهوية مدينتهم العربية، ونهب ثرواتها النفطية، وشكلت محاذاتها للعراق عامل جذب للإيرانيين الذين يعملون على ربطها بحواضن نفوذها البشرية والعسكرية في العراق.
يقول أحد وجهاء العشائر: بإمكان المراقب أن يلاحظ على الطبيعة تكامل الدور الذي لعبته داعش، والدور الذي تلعبه إيران حاليًا. إذ طردت الأولى السكان، ودمرت المدينة، وجاءت الثانية لتمنع عودة السكان وإعادة البناء إلا بشروطها، وحسب مخططاتها!
ويضيف: إيران استولت على المدينة بعد خروج داعش، وأسكنت مستوطنين، ومنعت ترميم المساجد، ثم رممتها وفق مخططات جاهزة، وغيرت أسماءها، وأنشأت عشرات الحسينيات، وعملت على اختراع آثار شيعية قديمة، فحولتها مزارات، بمزاعم خرافية، ومنعت خطباء المساجد من الصلاة إلا بشروطها، وأحضرت وعاظًا شيعة من العراق وإيران لنشر التشيع. سيطرت على المقابر وحظرت دفن الموتى بلا إذنها. جلبت شركة (جهاد البناء) الايرانية لتنفيذ هذه المهام، وحولت بعض المدارس ثكنات عسكرية، شكلت ميلشيات محلية من أتباعها السوريين باسم (الحيدريون) بلغ عددهم خمسة عشر ألفًا، دربتهم في العراق ولبنان وإيران، بطريقة تحاكي (الحشد الشعبي).
هدف إيران الظاهر مذهبي، لكنه في الواقع غير ذلك، فهي تريد السيطرة على دير الزور لسببين، أولها الهرب من ذراع إسرائيل الطويلة التي لاحقتها في جنوب سورية ووسطها. وثانيهما أن تكون المدينة حلقة وصل مع العراق، ليمر مشروعها الاستراتيجي لمد خطوط حديدية وتدشين طريق بري يربط إيران بلبنان والبحر المتوسط، ولا بد أن يمر بمدينة البوكمال.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة طاردت في العامين الماضيين التمدد الايراني في هذه المنطقة، وقصفت قوافله المتحركة، وعارضت علنًا مشروع الطريق البري أو الحديدي، لكي لا تستخدمه لنقل الأسلحة لحزب الله، وما زالت تحتفظ ببعض القواعد في المنطقة، وتتعاون مع السعودية لإقامة علاقات مع السكان الذين ينتسبون لقبائل ذات روابط قبلية بالسعودية.
ولكن المفاجأة أن القوات الروسية في دير الزور تصدت لمخططات إيران. ففي نيسان/أبريل الماضي وقع بينهما اشتباك تناقلت أخباره المحطات العالمية، سقط فيه قتلى وجرحى للطرفين، ولم يكن الحادث عابرًا، فتكرر الاشتباك، لأن الروس يرون الطريق البري للساحل السوري عامل تهديد لمشروعهم لفرض سيطرتهم المنفردة على الساحل السوري. وقال محللون أن هذا الهدف ازداد أهمية بعد قمة مستشاري الأمن القومي لإسرائيل وأميركا وروسيا واتفاقهم على تقليص الوجود الايراني، بدليل أن الاشتباكات الروسية / الايرانية ازدادت بعد القمة الثلاثية.
ومعروف أن إيران استغلت الأوضاع الصعبة للدير الناجمة عن إهمال نظام الأسد لها عبر عشرات السنين، حتى أصبحت المنطقة الرخوة في جسد سورية، واستغلت الفقر وأخذت تنفذ مشاريعها مقابل المال، إلا أن هذا النهج استفز عرب المدينة، ودفعهم لمقاومة مشاريعها وقواتها بكل الوسائل. وأكدت مصادر حدوث هجمات مسلحة على أهداف ايرانية وميلشيات عراقية وتصفية سوريين موالين لها. وذكرت المصادر أن مجموعات سرية وزعت بيانات تهدد بقتل المتعاملين مع الايرانيين. وقالت المصادر إن حرب التحرير الشعبية شملت أهداف (قسد) شرق المدينة، وحذرت البيانات القوات الكردية من استمرار التعديات على عرب الدير والحسكة، (تحت طائلة القصاص والانتقام سنًا بسن وعينًا بعين)!.
محمد خليفة
كاتب وصحافي سوري