عندما نتحدث عن أدوات السياسة الخارجية التركية نذكر موقعها الجغرافي المهم، والدبلوماسية الفاعلة مع الأطراف الدولية والنمو الاقتصادي. حيث اكتسبت تركيا موقعاً استراتيجياً كونها جسر عبور بين الدولة المنتجة والمستهلكة لموارد الطاقة. وسوف تكون تركيا المعبر الرئيسي والمستقبلي لخطوط أنابيب الغاز والبترول الممتدة من منطقة بحر قزوين ومنطقة الشرق الأوسط، خاصة بعدما أعلنت دول الاتحاد الأوربي عن استراتيجيتها في كسر الاحتكار الروسي لسوق الطاقة الأوربية، وذلك من خلال الوصول إلى احتياطات الغاز والبترول في الشرق الأوسط.
أهمية مشروع TANAP في السياسة الخارجية التركية:
خط أنابيب TANAPيمتد من أذربيجان عبر جورجيا ثم إلى تركيا وصولاً إلى اليونان ليتصل بعدها بخط أنابيب TAP ليغذي اليونان وإيطاليا بالغاز، وهناك أفكار مستقبلية لوصوله إلى دول غرب أوروبا.
وقد أصبح مشروع TANAP من أهم المشاريع الاستراتيجية بالنسبة لتركيا، بسبب موقعه الاستراتيجي، وقدرة هذا الخط من الوصول إلى عدة مصادر للغاز في آن واحد.
امتداد خط انابيب TANAP من ساحل أذربيجان عبر جورجيا إلى تركيا ومنها إلى دول جنوب الاتحاد الأوربي، أكسب هذا الخط أهمية جيوسياسية كبيرة. من خلاله تستطيع 4 دول تصدير الغاز إلى أوروبا، (روسيا، إيران، تركمانستان، العراق).
القسم الأول من الخط يبدأ من أذربيجان أي من أحد المناطق التي كان من المفروض أن يمتد عبرها مشروع خط أنابيب نابوكو، الأمر الذي من الممكن أن يدفع تركمانستان صاحبة رابع أكبر احتياطي للغاز في العالم، إلى تصدير غازها عبر خط TANAP، عندما ترى تركمانستان أن خط الأنابيب أصبح جاهزاً، وأن كافة العقود التي أبرمتها مع شركة غازبروم الروسية على وشك الانتهاء، الأمر الذي يسمح لها بإعادة التفكير في تمويل خط أنابيب الغاز TANAP. وفي اعتقادي إن الهدف الأول من المشروع هو تركمانستان صاحبة رابع أكبر احتياطي للغاز في العالم، وأذربيجان سوف تكون البوابة والخطوة الأولى للوصول إلى تركمانستان، لأنه وعلى المدى الطويل لا تستطيع أذربيجان وحدها أن تغذي هذا الخط، خاصة إذا ما تم تمديد الخط إلى دول غرب أوروبا. الدولة الثانية هي إيران صاحبة أكبر احتياطي للغاز في العالم ، وتمتلك إيران شبكة أنابيب تربطها مع أنقرة مثل خط تبريز/ أنقرة ، وإيران ترغب في تصدير غازها إلى دول الاتحاد الأوربي عبر خط الأنابيب وذلك حسب ما صرح بعض المسؤولين الإيرانيين، ولكن بعد العقوبات الأميركية على إيران في قطاع الطاقة سوف يكون الأمر صعب للغاية، إلا أن دول الاتحاد الأوربي ترفض هذه العقوبات وتريد الوصول إلى الغاز الإيراني، لكن في ذات الوقت إيران لا تفضل المشروع لأنها ترغب أن تكون الممر لنقل غاز تركمنستان عبر مينائها على الخليج العربي، ولكن بعد تنفيذ مشروع TANAP سوف يكون هو الأقرب لتصدير غاز تركمانستان. المصدِّر الثالث العراق، ولكن بسبب المشاكل الأمنية والمناطق التي سوف تمر عبرها خطوط أنابيب الغاز فهي غير آمنة، الأمر الذي يؤخر قدرة العراق على تصدير الغاز إلى دول الاتحاد الأوربي عبر خط الأنابيب. أما الجهة الرابعة فهي روسيا، من خلال خط أنابيب السيل التركي الذي تقوم شركة غازبروم بتنفيذه الآن، وقد قدمت الجمهورية التركية عرضًا لروسيا بتصدير الغاز إلى أوروبا من خلال وصل خط أنابيب السيل التركي بخط انابيب TANAP.
ويبدو أنه من خلال التحكم التركي بخط الأنابيب، سوف تستطيع تركيا التأثير على الدول المصدرة والدول المستوردة، وسوف تحقق تركيا عدة مكاسب سياسية واقتصادية، وسوف تتمتع بدور إقليمي مؤثر، وسيكون لها درجة تأثير كبيرة على الدول التي ستصدر الغاز إلى دول الاتحاد الأوربي، سيخولها للعب دور كبير في السياسة الدولية. وأصبحت خطوط الأنابيب المتجهة إلى دول الاتحاد الأوربي ورقة ضغط بيد تركيا تجاه أوروبا في عدة قضايا، مثل تعزيز ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي كعضو، من خلال إظهار أهمية تركيا الاستراتيجية بأنها المتحكمة في خطوط النقل لموارد الطاقة في دول الاتحاد الأوربي، وتعزيز فكرة أن أمن تركيا من أمن دول الاتحاد الأوربي.
أضحت تركيا مركزاً وجسراً لعبور موارد الطاقة من دول بحر قزوين ودول الشرق لأوسط إلى دول الاتحاد الأوربي، وورقة ضغط مهمة في السياسة الخارجية التركية لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب الدول المستوردة والمصدرة. ففي حادثة إسقاط الطائرة الروسية من قبل القوات التركية، وحادثة مقتل السفير الروسي في أنقرة لم تتوتر العلاقات الروسية التركية إلى درجة قطع العلاقات، بسبب حاجة روسيا إلى تركيا لتكون الجسر لخط الأنابيب الروسي الذي سيمر من تركيا إلى أوروبا، وذلك بعد رفض بلغاريا تمديد خط السيل الجنوبي من أراضيها، وبعد احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم وأزمتها السياسية مع أوكرانيا، التي تمر عبرها كافة خطوط الأنابيب إلى أوروبا. وبعد الانتهاء من تنفيذ مشروع خط TANAP سوف تتمكن تركيا الضغط على أوروبا في عدة قضايا ذات أهمية.
حسن الشاغل
كاتب سوري