موضوع اللجوء ذو أهمية قصوى لما له من صلة بالوجود الإنساني ذاته، ما جعله مادة خام لكثير من الدراسات والتحقيقات، وهو حاضر في كل الثقافات والمجتمعات.
فمنذ اندلاع ثورتنا السورية في 2011 والحرب الهمجية التي تلت ذلك على شعبنا من آل أسد وأعوانهم، فرّ ما يزيد عن 13 مليون سوري من ديارهم، طالبين اللجوء في البلدان المجاورة أو داخل سوريا نفسها؛ وتجاوز عدد السوريين الذين فروا إلى تركيا ولبنان والأردن والعراق أكثر من 5.5 مليون وأكثر من 150 ألفاً يعيشون في دول شمال إفريقيا خاصة في مصر، وفقاً للأرقام التي قدمتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ في حين نزح أكثر من 7,6 مليون فرد داخل سوريا، بينما سعى مئات الآلاف إلى إيجاد ملاذٍ آمن في أوروبا، إذ يعيش فيها أكثر من مليون سوري كلاجئين أو طالبي لجوء أغلبهم في ألمانيا؛ وفي أمريكا الشمالية لا يزيد عن 100 ألف أغلبهم في كندا.
شكل تدفق اللاجئين، منذ أوائل عام 2013، تحدياً هائلاً للدول المجاورة لسوريا، فضلاً عن التداعيات الخطيرة على استقرار المنطقة برمتها، مما تسبب بضغوطاتٍ كبيرة على البُنية التحتية وقطاعيّ الصحة والتعليم وسوق العمل المُشبع، وأدى هذا إلى إغلاق لبنان حدوده أمام اللاجئين السوريين منذ أيار 2015، كما الأردن أيضاً، مما تسبب بضغوطات كبيرة أيضاً على إمدادات الطاقة في البلاد واضطراب بالاقتصاد؛ بينما تعتبر تركيا موطناً لأكبر عدد من اللاجئين السوريين ’’أكثر من 3.4 مليون لاجئ‘‘.
فر آلاف السوريين إلى بلاد بعيدة، منفقين مدخراتهم ومواردهم الأخرى، وانضموا للاجئين من أفريقيا وأماكن أخرى في محاولةٍ للوصول إلى أوروبا عبر شمال افريقيا والبحر المتوسط، مما شكل أزمة إنسانية كبيرة أدت لغرق المئات وإنقاذ عشرات الآلاف من مياه المتوسط .
وعلى الرغم من أنّ الاتحاد الأوروبي لعب دوراً غاية في الأهمية فيما يتعلق بقضية اللاجئين السوريين، مقدماً المساعدات الإنسانية وكموطن للاجئين، إلا أنه كف عن السماح بالوصول لبلاده أسوة بباقي جيران سوريا، وكل ذلك ضمن حسابات ومقايضات سياسية. أما الدول الأكثر مشاركة في الحرب ضد الشعب السوري، سواء بالتمويل أو تزويد الأسلحة، فقد كانت الأقل استعداداً لتوفير المأوى للاجئين، بينما امتنعت دول مجلس التعاون الخليجي عن توفير المأوى للاجئين، أما أنصار نظام القتل والجريمة الأسدي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (سوريا والصين) فلم تعمل على توطين أي لاجئ.
الأعداد الهائلة فرضت ضغوطاً على أسواق العمل المحلية والخدمات العامة والوئام الاجتماعي، تضاف لعدد السكان في بلاد اللجوء، أدت لازدياد الضغط على الخدمات العامة، واستنزاف للبنى التحتية خاصة الهشة منها، ما فاقم من التوترات بين السكان المحليين واللاجئين السوريين، في ظل ضعف الأداء على مستوى الخدمات العامة أصلاً في تلك البلدان وعلى مستوى استيعاب أزمة اللاجئين، وأصبح هذا التوتر الاجتماعي يحمل طابع التمييز العنصري في أغلبها، مع وجود جذور اجتماعية وسياسية لدى فئات معينة، واستثمار بعض الأحزاب السياسية لذلك عبر أدوات متعددة أبرزها خطاب الكراهية والتحريض ضد السوريين.
كان ذلك في ظل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والصحية للاجئين السوريين، فقد ساهم الدعم المحدود جداً الذي يتلقاه أو تلقاه اللاجئون من المنظمات الدولية والمحلية في استفزاز الطبقة المسحوقة بتلك البلدان، وهي الطبقة التي يُنافسها اللاجئون عملياً، حيث يعيش الملايين بمدن صفيح أو مخيمات ونحوها، ولا يحصلون من دولهم على أي دعم، حيث يُتركُ كل تجمّع بشري لرعاية زعيم سياسي أو شيخ قبيلة أو بلدة، يتولى تقديم الحد الأدنى من متطلبات الحياة، مقابل استخدام هذه الكتل البشرية في عمليات التحشيد السياسي، ورفض بعض الحكومات (لبنان مثلاً) لإقامة مخيمات رسمية للاجئين من جهة، ورفضها التعاون مع المنظمات المقدمة للدعم من جهة أخرى، قد حدّ بشكل كبير من البرامج التي تستهدف المجتمعات المحلية ومجتمعات اللاجئين في آن معاً.
على الرغم من أن مستوى الخدمات الصحية والاقتصادية والبنية التحتية للاجئين في البلدان التي أقامت مخيمات كانت متوسطة، فسكان المخيمات بحاجة إلى تحسين مستوى ومياه صالحة للشرب، ومستوى خدمات الكهرباء وصيانة الطرق الداخلية، والعمل على جمع النفايات باستمرار من المخيم، ومطالب بتوفير مراكز تدريب مهني للشباب وتوفير فرص عمل لهم تتناسب مع أوضاع المخيم، ومراكز صحية شاملة وأطباء متخصصين في علاج الأطفال، والحد من تسرب الأطفال من التعليم من خلال فتح دور أطفال ومدارس للمراحل التعليمية كافة، ومنع استغلال النساء والأطفال والتحرش الجنسي واستغلال الإناث والأطفال في المخيمات؛ ذلك لم يمنع من وجود تجار البشر والأزمات ومستغلي الكوارث من استغلال اللاجئين وصولاً لانتحار البعض نتيجة قساوة حالتهم.
مع استمرار غض النظر الدولي عن الجرائم بحق السوريين وتعويم نظام الجريمة في دمشق، فاللاجئون السوريون يحتاجون أكثر من مجرد المساعدة الإنسانية الجارية، إنهم بحاجة للاكتفاء الذاتي، والكرامة، والفرص، والأمل. كل ذلك يتحقق بتأمين العمل وتوفير فرص اقتصادية جديدة للاجئين أسوةً بعمال البلدان المضيفة.
عبد الباسط حمودة
كاتب سوري