الصفوية والمشروع الإسلامي


 

قبل توغل إيران في العمق العربي، عسكريًا وثقافيًا واقتصاديًا، لم يكن هناك حضور قوي لفاجعة استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما، في أدبيات الكتاب والمثقفين والدعاة المسلمين، بل كان التركيز في هذا اليوم، ينصب على استقاء الدروس والعبر من إهلاك الله سبحانه وتعالى لواحد من عتاة الظلم والطغيان في تاريخ البشرية ممثلاً بشخص فرعون وفكره، والحض على صيامه امتثالاً لتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، وفرحا بأن نجّى الله موسى عليه الصلاة والسلام، لكن في السنين الأخيرة بدأت حادثة استشهاد الحسين تسيل من أقلام عدد متزايد من المشتغلين بالشأن الإسلامي العام، وبالرغم من أهمية الحديث في هذا الموضوع، فإن طَرقه على هذا النحو، وفي هذه الظروف السياسية، والانعطاف في تاريخ المنطقة، لا يعدو أن يخرج عن أحد احتمالين، أولهما أن هناك يقظة متأخرة للقيمة السياسية التي جسدتها مسيرة الحسين التصحيحية إلى كربلاء، والحاجة الناشئة عن ذلك إلى تغذية العقل المسلم والوجدان بحقيقة ما جرى، وقطع الطريق على الاستثمار الصفوي الماكر في هذا الحدث التاريخي المفصلي، وثانيهما هو محاولات إيجاد مرجعية شرعية تاريخية عملية للحراك الشعبي الدائر في المنطقة، كرد على الخطاب المدخلي الذي يسيطر على شريحة ليست قليلة من الجغرافية الإسلامية، ويُقْعِدُ المسلمين عن أداء شعيرة إزالة واحدة من كبريات منكرات الأمة الإسلامية ممثلة بطبقة الأنظمة الاستبدادية، تحت شعار ولي الأمر وتحريم الخروج عليه لأن في ذلك تفريقًا للجماعة، وإثارة للفتنة، وجلبًا للقلائل، وضربًا للاستقرار، وإدخالًا للعدو إلى الصفوف الداخلية.

والحقيقة المختبئة بين السطور، لكنها الساطعة في مدلولاتها وآثارها، أن إيران تمكنت من توليد مناخ فكري وطقوسي كان أثره واضحًا في المنطقة على مستوى النخب والعامة، واستطاعت طهران عبر مشروعها المتكامل والمخدوم( وهذه حقيقة) أن تؤثر في مسار التعاطي مع أحداث تاريخية بطريقة تخدم أهدافها التوسعية في العالم الإسلامي، ولا أعني التوسع الجغرافي، وإنما التوسع الفكري في المجتمعات المسلمة على مستوى القواعد والنخب، ومن ثَمّ استثمار المعطيات الجديدة في "تثمير" سرديتها عن مظلومية آل البيت وقتل الحسين.

هكذا تبدو إيران التي تحمل مشروعًا صفويًا شعبويًا، وتقود في سبيل تحقيقه قرابة مئة وخمسين مليون إنسان يؤلفون العالم الشيعي، في موقع المُحاكِم التاريخي لأكثر من مليار ومئتي مليون مسلم يجدون أنفسهم مضطرين يوميًا، لإثبات براءتهم من مظلومية أهل البيت الذين هم أصلًا يتولونهم ويتبعونهم، ولإثبات براءتهم من دماء الحسين في محكمة القاتل هو القاضي فيها.

هذه "السيادة" الصفوية على العالم الإسلامي، ذات الأبعاد المتعددة والأشكال المتنوعة، ستدوم في ظل مزاج دولي موافق، حتى نشهد ولادة مشروع إسلامي راقي يملأ الفراغ الذي تعبث فيه إيران وتملؤه بألوان من السفه والبذاءة والهمجية الفقهية والفكرية والطقوسية، ويُنظر إليها في أنحاء العالم على أن هذه الأفعال والطقوس الشنيعة هي من الإسلام.

 

 

 جهاد عدلة

إعلامي وكاتب سوري

 
 
Whatsapp