العلم سر تقدم الأمم


 

 

 

المعادلة النفيسة في مضمونها، والراقية في معانيها، والمتناسقة في سرد بيانها، مفادها أن: العلم نور العقل، والعقل موطن الأفكار، والأفكار منبع الإبداع، والإبداع روح التطور، والتطور سر تقدم الأمم.

وبهذا يكون العلم هو أهم أعمدة بناء الأمم وتقدمها؛ فبالعلم تُبنى الأمم وتتقدم، ويساعد على النهوض بالأمم المتأخرة، ويقضي على الأمية والجهل والتخلف والفقر، وغيرها من الأمور التي من شأنها أن تؤخر الأمة، فالعلم من أهم ضروريات الحياة، كالمأكل والمشرب، وغيرها.

العلم، أهم مقومات الحياة؛ فهو العصب الأساسي في تطور المجتمعات، وإنتاج وسائل يستطيع الإنسان من خلالها مواكبة العصور المزدهرة، وتنشئة مستقبل مشرق له ولعائلته وسائر مجتمعه، ولهذا نجد أن العلم يتلخص في قسمين:

العلم التاريخي: وهو العلم الذي يستمده الشخص ويتناقله عبر الأجيال، من ثقافة أجداده إلى آبائه حتى يصل إليه، ومنه إلى أبنائه، فهو ليس علماً مكتسباً في هذه اللحظة، أو سوف يُكتسب في المستقبل، ولكنه موجود بالفعل بوجود الأجداد والآباء، ومن الثقافة التي توارثتها الأجيال عبر الزمان.

العلم المعاصر: وهو العلم الحديث والضروري؛ لبلوغ غاية هذه الحياة، ولمعرفة مدى تطوراتها، ومسايرة العالم لكي يستطيع الإنسان العيش فيه، كما أنه يكتسب علماً غزيراً، ويزيد من خلفيته التعليمية والعلمية في هذا المجال.

إلا أن العلم لا يُكتسب بمجرد إرادة الإنسان ذلك، أو بمجرد إعجاب الفرد بالعلم والتعليم، وبذلك يصبح عالماً، ولكن هناك مقومات ووسائل، من شأنها أن تساعد على اكتساب العلم، سواءً في العصر القديم أو في العصر الحديث، من أهمها:

الأسرة: وهي المقوم الأساسي والركيزة الأساسية في معرفة الإنسان بشتى نواحي الحياة، وأيضاً في المحافظة على هذه المعرفة وتنميتها.

 

الحاسب الآلي: وما يتصل به من الفضاء الافتراضي، أو بشكل عام وسائل التكنولوجيا، والوسائط التقنية الحديثة التي تساعد الإنسان على اكتشاف معلومات أكثر وأكثر، وتوفير ما يريده من معلومات ومعارف، حيث سُمي هذا العصر بثورة المعلومات.

المكتبات العامة: والتي من شأنها أن تُساعد على تحصيل أكثر للعلم، في شتى العلوم والمعارف التي ترتقي بسُبل التحصيل العلمي لنيل النور الذي تُنار به العقول، وتتسع به المدارك؛ فتخلص فيه الأفكار النيرة، لتحاكي الإبداع الذي يحقق التطور في خاصة الأسرة، ومنها إلى عموم المجتمعات.

إلا أن أهمية العلم لا تتوقف على تحصيل المعلومات فقط؛ بل تتعدى إلى ما بعد ذلك بمراحل، فالعلم نور كما يُقال، ونور الله لا يُؤتى لعاصٍ، فهو شعلة الأمم ونورها التي تُضيء الكون، فهو يصنع الحياة الكريمة الراقية، وبالعلم تنهض الأمم، وتتحضر الشعوب، وبالعلم فقط نستطيع أن نقضي على الأمية التي تورث الجهل، وأما العلم من شأنه أن يُعلم المجتمع حقوقه وواجباته، وبالعلم يستطيع الإنسان كسر الحواجز، والتخلص من الأزمات التي يقع فيها.

من هنالا يستطيع أحد أن يُنكر أن النمو الاجتماعي والاقتصادي في أي دولة من الدول مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعلم، ولا يُنكر كذلك دوره في التقدم والنهوض بالدول، وأيضاً البحث العلمي هو أحد أهم مستحدثات العلم الحديث، الذي يُساعد على تطور المجتمعات؛ لأنه الركيزة الأساسية في تطور أي مجتمع؛ فإذا أردت أن تعرف وتقيس تطور أي مجتمع، فلا بد أن تنظر إلى مستواه العلمي بجانب المستوى التربوي، بالإضافة إلى أن البحث العلمي لا تظهر أهميتُه الكبيرة إلا في المجتمعات التي تمتلك مشكلات حقيقية، وقضايا مختلفة، وخاصةً في الدول النامية؛ التي تتعدد بها المشكلات، والقضايا الحياتية والاجتماعية؛ كالإسكان، والبيئة، والزارعة، والنقل، والتلوث.

على هذا الأساس يأتي دور البحث العلمي لتقديم المساعدة من خلال الدراسات التحليلية والميدانية، والأبحاث الكثيرة المستمرة عبر سنين، والذي يتمكن في نهاية الأمر من إيجاد حلول حقيقيةً لتلك المشكلات؛ حيث يتم القضاء عليها نهائياً، وبالتالي يؤدي العلم غرضه المطلوب منه في هذا الشأن طبقاً للمقولة: " إن غرض العلم والتعلم هو التحكم بعناصر الطبيعة واستغلالها لصالح الإنسان".

البحث العلمي حالياً هو الأكثر تحقيقاً للنجاح، والقضاء على المشكلات العصرية التي تواجهها الأمم في هذا الوقت الراهن، وخاصةً المشكلات المتعارف عليها، والتي تُعاني منها المجتمعات، وبالتالي فإن نجاح البحث العلمي في مجتمعٍ ما، يعني تقليل الفجوة بين الدول المتأخرة والدول المتقدمة علمياً وتكنولوجياً، وذلك من خلال أن نجاح البحث العلمي يعني القضاء أو الحد من المشكلات التي تواجهها الدول، ولذلك نجد الدول المتقدمة يهتمون حالياً بالدراسات والأبحاث العلمية، وإجراء أبحاث شاملة من أجل الوصول إلى نتائج مُرضية لتلك الدول، تستطيع من خلالها القضاء على مشكلاتها.

وهنا يأتي دور الجامعات الحكومية، وحتى الخاصةِ منها، وبأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى المعاهد، في الاهتمام بالطلاب، من أجل إخراج كوادر وعناصر منظمة ومدربة ومهيأةً، لكي تستطيع إجراء مثل هذه البحوث بأسهل الطُرق؛ حتى ننهض بمجتمعاتنا؛ فإن دور هذه المنابر العلمية لا يمكن إغفالها؛ حيث إن دور التعليم فيها جلي وواضح، وذلك من خلال تحضر المجتمعات، والمساعدة على تطور الأبحاث العلمية للاستفادة منها، كما أن للتكنولوجيا الحديثة دوراً لا يمكن إنكاره؛ فهي الخطوة الثانية بعد أهمية العلم، ومفاد ذلك أن العلم هو الخطوة المُمهدة التي تسبق التكنولوجيا الحديثة؛ وهي تؤثر على نتائج البحث العلمي بالإيجاب.

العلم أساس تقدم الأمم ونهضتها وتطورها في الحياة، ومنافسة الآخرين ومزاحمتهم، لا تقليدهم تقليداً أعمى، فالمتعلم بحق وإن قلد؛ وجد من خلال فكره وتوسعه في العلم واجتهاده في الحياة، ما يُغير به بشكلٍ أو بآخر من سبقه في ابتكار شيءٍ ما، بما رأى وتوصل إليه، من خلال قدرته الذاتية والفردية أو الجماعية، بإنجازات وطنية، وتلك غايةً من الغايات حين نقول: علينا مراجعة ثقافتنا لبناء مجتمع لا يقضي أوقاته من دون تدبر وحكمة؛ بل ينظر إلى المستقبل بكل مسؤولية، ويعي طريق كل من صنعوا بأممهم سُبلاً للنهضة والتطور والرقي والتقدم وريادة العالم، وما كان لهم ذلك إلا بعد أن بلغوا منازلاً من العلم.

 

 

د. خالد عبد القادر منصور التومي

أكاديمي ليبي

 
 
Whatsapp