(الجاهلية ( في عصرنا


 

 

في الوقت الذي نذكر فيه كلمة الجاهلية، سرعان ما يتخيل إلينا تاريخًا أسودًا مليئًا بالكفر مختصرًا في عبادة الأصنام، وتوارث النساء، ودفن البنات، والعيش على الغزو وعدم الاعتراف بالإسلام. هذا ما يتخيله الكثير في مجتمعنا مع ذكر كلمة((الجاهلية)).

ولكن هل يعقل أن مثل هؤلاء البشر آمنوا بالإسلام؟ وهل يعقل أن الله اختار هذه الفئة من الناس ليرسل إليهم رسولًا يحمل الرسالة التي ساهمت في هداية البشرية. ولماذا لم نسمع أحدًا تحدث عن مزاياهم الإيجابية إلا القليل.

دعونا نتحدث قليلاً عن مزايا العرب في الجاهلية، فهناك دراسة لطارق سويدان تقول: يوجد أكثر من ثلاثين ميزه تميز العرب عن باقي الأمم في الجاهلية، يمكن الحديث عن بعض منها، ولابد أن نفهم شيئًا وهو أن الجاهلية موجودة في كل زمان ومكان، وفي كل العصور وربما في عصرنا هذا نجدها تتزايد، وإذا بدأنا من سمة (الصدق) في الجاهلية، فالكذب والغدر كانا عارًا على صاحبهما، فكانوا إذا أرادوا شتم أحد وصفوه بالكاذب أو الغادر.

والجميع يعلم قيمة الصدق في ذاك الوقت، وكانوا عندما يريدون دخول الإسلام فلا يتطلب ذلك أوراق عقود أو شهود، بل يتطلب النطق بالشهادة فيصبحوا مسلمين، ولم يكذبوا على أحد، ولا على أنفسهم فينطقونها ويقولوا ها قد أصبحنا مسلمين.

نعم كان هناك بعض المنافقين، ولكن لم يظهروا إلا بعد فتح مكة، وانتشار الإسلام بشكل كبير 

أما الصفة الثانية فهي (الحرية والتزامهم مبادئها) فالأرض التي كان عليها العرب، كانوا يحكمون فيها أنفسهم بأنفسهم، وكانت تحكمهم مبادئهم وأخلاقهم، وكان على كل شخص منهم الالتزام بما يقع عليه من عادات وتقاليد.

والسؤال هنا هل نستطيع اليوم أن نعيش بلا حاكم أو سلطان حتى لأسبوع واحد فقط، وهل نستطيع ذلك؟ أم سنغدو في غابة. ومن صفاتهم أيضًا (الأخلاق والشرف) ونتذكر هنا حديث رسول الله(ص) " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". أي أن الاخلاق كانت موجودة وبعث الرسول ليتممها. 

ولكن في هذا العصر كم نحتاج إلى قليل من الشرف الذي كان عندهم، والكرم الذي كان من أهم مزاياهم، دعونا نأخذ حاتم الطائي كمثال على ذلك، والكثير يعلم قصته حينما رآه العبد الذي طلب منه دفع فدية له، وتحريره ولم يكن لديه المال، فوضع نفسه مكان العبد وحرره، وهو الذي ذبح خيله وقدمه لضيوفه، مع حبه لخيله وقيمته عنده. ومن مزاياهم أيضًا (قوتهم وجسارتهم وذكاءهم في القتال) ومعركة ذي قار تشهد لهم، حينما انتصر فيها العرب على الفرس، وإذا دققنا في تفاصيلها سنرى انها كانت بسبب غيرتهم على النساء، ومن صفاتهم أيضًا (الوفاء بالعهد والوعد) فقد كان أحدهم إذا وعد أو عاهد يمكن أن يدفع عمره مقابل تنفيذ وعده، ففي نهاية حرب البسوس، نجد أن المهلهل قتل جبير ابن الحارث، فما كان من ابن الحارث إلا أن جمع قبيلته وهاجم المهلهل، وبعد انتهاء القتال، أسر ابن عباد المهلهل فأتى إليه وقال له :ألا تدلني على الزير فأجابه على الفور إذا دللتك عليه هل تطلق سراحي، فما كان من الحارث إلا أن قال له نعم، وقطع له وعد بذلك. فقال له أنا الزير أنا المهلهل، فغضب ابن عباد أشد الغضب، إذ كيف له أن يطلق سراح قاتل ابنه، فسأله الزير هل ستنقض عهدك يا ابن عباد فأجابه ابن عباد، لم أنقض عهدًا في شبابي حتى انقض عهدًا في آخر عمري، فحلق له مقدمة رأسه وهذا يعني أنه أذله، وأطلق سراحه، نعم أطلق سراح قاتل ابنه، فقط من أجل أن لا يقال عنه نقض عهدًا أو وعدًا. وهناك الكثير من المزايا الأخرى، ولكن هنا يدور في تفكيري بعض الأسئلة: هل هم جهلة كما نراهم، أم هو التاريخ القديم الذي يجب أن نعتز ببعضه.  وهل الجاهلية عصرًا مر ومضى، أم أننا نعيشها الآن؟ 

يبدو أننا نفتقر في زماننا هذا إلى كثير من الصفات التي عاشوا عليها في الجاهلية، والاسلام جاء وتمم مكارم الأخلاق التي كانت موجودة أصلًا فصقلها ووجهها الوجهة الصحيحة. 

 

 

محمد قره بللي

 كاتب سوري

 
Whatsapp