(طفولة)
تتعثرُ الطفلةُ في مشيتها وسط شوارع المدينة المدمرة، روائحُ الجثث المتفسخة تملأ الأجواء لتزيد من تلوث براءتها، طفلةٌ لا تتجاوز العشر سنوات، ترتدي ثياباً مهترئة تفوحُ منها رائحة كريهة، تسير على غير هدىً، كقارب صغير تتقاذفه أمواج مجنونة.
بعد تجوالٍ استمر ساعاتٍ بحثاً عن بصيص أمل، لمحت من بعيدٍ رجلاً يجلسُ على أنقاض مبنىً مُتهدم، حثّتِ الخطى باتجاهه، وهي تشعر بأنها على وشك السقوط على الأرض من شدة الانهاك. كان رجلاً طاعناً في السنّ يبكي بكاءً ممضاً على أفراد عائلته الذين قُتلوا جميعاً بسبب غارة جوية حدثت في الصباح الباكر، عندما سمع وقْعَ خطواتٍ تقتربُ منه رفع رأسهُ ببطءٍ ونظر اليها بعينين مُحمرّتين، كانت طفلة رائعة الجمال، تذكر حفيدته التي دُفنتْ حيةً تحت الأنقاض دون أن يتمكن من إنقاذها، هاجتْ مشاعرُ مُدمّرة في أعماقه، ومع ذلك لاح شبحُ ابتسامة على وجهه وهو ينظرُ الى وجهها الجميل، مدَّ يده اليها، اقتربت منه بخطى سريعة متعثرة، وعندما أصبحت أمامه مباشرة قالت بصوت ملائكي: مئة ليرة لليلة الواحدة! صُعق العجوز، احترق الجمال... طارت البراءة واختفتْ في ظلام كونٍ بلا نجوم... وابتلعه الجحيم على الفور.
(الوجه الجميل)
على قمة تلّة، جلستُ أنظرُ الى وجه التاريخ الرائع الجمال، خُيّلَ إليّ أنه يفوقُ يوسُفَ حُسناً وسحراً، نزلتُ من على التلّة وسرتُ باتجاهه مأخوذاً مبهوراً، أحملُ في قلبي باقة أزهار لا تفتأ تتضاعف الى مالا نهاية، لكن ما إن أصبحتُ على مقربة منه حتى لمحتُ شيئاً مُرعباً في عينيه الرائعتين: كانت الحدقتان فُوّهتي مدفعين عملاقين تُطلقان قذائف عابرة للعصور، وخرجت من ثغره المرسوم بدقة شتائم مُقذعة عابرة للقرون والأزمان..، أحقاد وضغائن لا تعترف بالحدود الزمنية، فعدتُ أدراجي الى بيتي وأنا ألعنُ روعة تاريخٍ يتوقُ لدمار الحاضر والمستقبل.
أسامة الحويج العمر
كاتب وقاص سوري