قامَةُ المَجدِ


 


 

بلبلَ الروض، ما كَفاكَ بُكاءُ؟ 

 

أتَناساكَ أمْ جَفاكَ الغِناءُ؟

 

كلَّما جِئْتُ في صباحِكَ أشدو 

 

 قَوَّضَ الشَّدوَ في هَوَاكَ 

المَساءُ

 

مُقلَةُ الكَونِ لاحَظَتكَ 

 

ولكِنْ كَحَّلتْها من مُقلتَيكَ الدِّماءُ

 

آنسَتها جِراحُ مَجدِكَ 

تَدمَى 

 

وتنامت في جُرحِكَ اللَّأواءُ

 

وانزَوَى اللَّاعبونَ عَنكَ 

بِعُذرٍ 

فِيهِ أدمَى سَماءَك السُّفهاءُ

 

يَومَ هاجَ الخِضَمُّ 

والرِّيحُ تَعوِي 

واسْتباحَت وَمِيضَكَ الأنواءُ 

 

أوْدَعَ الفاتِحونَ فيكَ عُلاهم 

 

فانتَضَت مِنكَ عِزَّةٌ ومَضاءُ

 

فالدُّروبُ التي طَويتَ مَدَاها 

سَارَ فيها من قَبلِكَ العُظماءُ

 

أنجبتك الخطوبُ للمجدِ مَجدًا 

واجتَذت منكَ نورَها الجَوزاءُ

 

كُلّما أومَضَت سَماؤكَ رَعداً 

حاصَرَتْكَ العَواصِفُ الهَوْجاءُ

 

كيفَ ترضَى بأنْ تكونَ حَبيسًا 

ولَكَ الروضُ 

والرُّبا والهَوَاءُ؟

 

وشَذَا الطَّلِّ في جناحَيكَ 

وَشمٌ هامَ فيهِ الأجْدادُ وَالآباءُ 

 

لم تَزَلْ للفَضاءِ نِدًّا

عَنيدًا 

تَستَمِدُّ النُّهوضَ مِنْهُ السَّماءُ

 

أنَسيتَ الغناءَ يا طَيرُ 

عَنها 

أمْ خَبَت فيكَ إدلبُ الخَضراءُ؟

 

جَمَّعوا حَوْلَها الوحوشَ الضَّواري 

وَتَعالى علَى الثُّغورِ العُواءُ

 

ولَوَى الأصدِقاءُ عَنها رِقابا 

واستَداروا 

كأنَّهُم أعداءُ

 

نَهَشُوا لَحمَها كَكُلِّ الضَّوَاري 

وبَكَوْها 

كما بَكاها الرِّعاءُ

 

فتَسامَت فوقَ الجِراحِ 

ودَوَّى دونَها المَجدُ والسَّنا 

والإباءُ

 

وتَصافَى على هَواها التَّجافِي 

ومَحا جذوةَ الخلافِ الإخاءُ

 

لَن يَنالوا مِن قامَةِ المَجدِ 

مَهما كَثُرَت حَولَ جُرحِها الأسماءُ

 

قُم 

وَمُدَّ الجَناحَ فوقَ رُباها 

واصفَعِ الرِّيحَ تَخشَعِ الأجواءُ

 

فالحُقولُ الَّتي دَرَجْتَ علَيْها 

مَلأَتها مِن بَعدِكَ الأشلاءُ

 

دَنَّسَتها خُيولُ كِسرى 

وأرسَى قَيصرٌ ما استباحَهُ الدُّخلاءُ

 

فتخطت كلَّ الخطوطِ خُطاهُمْ 

واستُبيحَت خُطوطُكَ الحَمراءُ

 

فالأُلَى يَنْسجون منكَ

ثيابًا لِذَوي العُريِ 

كُلُّهم أدعِياءُ

 

والأُلَى يَدَّعونَ حُبَّكَ 

خانُوا 

كُلُّ ما يَدَّعونَ فِيكَ افتِراءُ

 

مُنذُ جَيَّشُوا عَلَيكَ الأعَادِي 

بالمَخازي على المَزاعِمِ باؤُوا

 

حِينَ كادَت تَخبو 

ذُبالةُ عَبْدٍ سَوَّدوهُ، 

مِن خارجِ السُّورِ جاؤوا

 

هَذِهِ الأرضُ إرثُنا 

من أُباةٍ 

ليس فيها للبَغيِ خُبزٌ 

وماءُ

 

نَحنُ إرثُ الحُسَينِ فيها، 

وفِينا مِنِ دِماءِ الحُسَينِ 

تَجري الدِّمَاءُ

 

ليس فيها حقٌّ لِغيرِ ذَوِيها 

وذَوُو السّوءِ حَظُّهُمْ ما أسَاؤُوا

 

عَوْرَةُ الغَدرِ سَوْفَ تَظهرُ 

مَهما أمعَنَت في التَّلوُّنِ الحِرباءُ

 

وسَيَجلُو الغُزاةُ عَنها 

بِخِزْيٍ 

وسَيَسري على الذُّيولِ الجَلاءْ

 

وسيَبقَى في الأرضِ ما فيه نَفعٌ 

ويُولِّي مَعَ الآتي الغُثاءُ

 

ونُغنِّي لِلشَّامِ لَحنًا فَريدا 

فلَها وَحدَها 

يَطيبُ الغِناءُ.

 

 

إسماعيل الحمد

شاعر سوري

 

Whatsapp