القرار السياسي والقرار الاستراتيجي له أهميته العظمى في حياة الشعوب من أفراد وجماعات ودول، ومهما حاول بعض الناس تجنب السياسة، لكنهم لا يستطيعون أبداً تجنب القرار السياسي وما ينبثق عنه ومن ثم آثاره.
القرار السياسي دوماً له أثره وله التغذية الراجعة التي أحياناً ما تكون إيجابية وتخلق حالة رضى ينعكس أثره في المستقبل، وأحياناً تكون التغذية الراجعة أو الارتداد سلبياً كارثياً يندم عليه صاحب القرار، سواء كان شخصًا أو جهة، وينعكس سلباً عليهم وعلى الوسط المجتمعي، وذلك عندما يكون سبب القرار ليس مدروسًا مهنياً ومنطقياً، أو يكون استجابة لرغبة شعبوية، وليس لأن القرار يستند للمنطق والعقل والمصلحة.
أحياناً ينسجم المنطق والمصلحة مع الرغبة الشعبية وهذا أسهل قرار، لكن الصعوبة بمكان في الحالة الأولى عندما تتعاكس المصلحة والمنطق مع الرغبة الشعبية، وتواجهك عقلية المزاودة، وهي كارثية، وهنا نحتاج الشجاعة مع الذكاء في كيفية اتخاذ هكذا قرار. لأن عقلية المزاودة الشعبوية قد تتسبب بخسارة لقضايا عظيمة تاريخية، وهناك عقلية منطق "الكل أو لا شيء" إذ لا يسير التاريخ، ولا العمل السياسي، ولا الحياة، وفقًا لقانون "الكل أو لا شيء" سيما إذا كانت القوى متقاربة، وفي حالة استعصاء لتحقيق الكل، فيكون منطق التسويات والتوافقات والحلول الوسط والمؤقتة هو السائد والمحرك.
ونقول هنا إن هذا ليس منطق هزيمة، بل منطق واقع وحقيقة ملموسة ، ومن لا يعترف بالواقع والحقيقة تقتله أحجارها بكل تأكيد.
منطق الواقع والحقيقة يعترف بالهزيمة الواقعية استنادًا إلى موازين القوى السائدة، لكنه لا يقبلها كهدف على المستوى الوجداني ويرفض الإقرار بها كحقيقة نهائية، إنما يعتبرها مرحلة وتكتيك، ثم يبدأ العمل من جديد لمحو الهزيمة وآثارها ومفاعيلها وتحقيق انتصارات مقنعة وكبيرة وثابتة بالاستفادة من دروس التجربة الماضية.
أما منطق المزاودة الشعبوية فلا يعترف بالحقيقة والواقع، ويرفع صوته عاليًا رافضًا الهزيمة، فيما الواقع يكسره ويحطمه يوميًا، ومن دون أن يكون قادرًا على فعل أي شيء لتغييره لأنه يستمر في المواجهة بالمنطق نفسه والآليات ذاتها. وأحياناً يكون القرار استراتيجياً، فالقرار الاستراتيجي إذا تأخر عن وقته الحقيقي في فرصته سوف تقل قيمته وترتفع تكلفته.
لهذا لابد للقرار أن يُقارب بين الصحة والاقناع الجماهيري، وتقليل المقاومة لهذا القرار، فمهمة النخبة وأصحاب القرار مهمة صعبة وحساسة، وفيها أمانة كبيرة للناس بمختلف توجهاتهم، وكلما زادت الثقة بأصحاب القرار كانت المقاومة وظاهرة الشعبوية الرغائبية أقل، وكذلك كلما زاد وعي المجتمع وعم فيه شيوع المعرفة والوعي السياسي وكثرت فيه النخب الواعية المؤثرة أيضاً تقل المقاومة للقرارات المنطقية لكن لا تكون صفرًا فهذا نادر الحدوث.
ولا يجوز بحال من الأحوال الانجرار لقرار، بناء على رغبة شعبوية تتحقق فيها المضرة بشكل واضح، فهذه أمانة، والخطاب السياسي لابد أن يهمه مشاركة الناس كي يطّلعوا ولو على جزء من المشكلات التي يمكن أن يسببها أي قرار خاطئ، وقيمة القرار والحشد باتجاهه وتقليل المقاومة تجاهه، وهنا تكمن أيضاً السمة القيادية لصاحب القرار بقدرته على حشد الناس نحو الهدف النافع للناس ومصلحتهم.
لهذا كان الاقتراب من الناس وكسب ثقتهم ومحبتهم والقدرة على التأثير فيهم هو الأداة المهمة لنجاح اتخاذ قرارات صحيحة وناجحة وصولًا إلى عملية التفاعل مع الناس.
د_ زكريا ملاحفجي
كاتب وباحث سوري