خذلان السوريين


 

 

القائد الروماني(سكيبيو) وقبل المعركة الأخيرة في زاما جنوب غرب قرطاجة قال (لهنيبعل): لو أنك هاجمت روما المهزومة بأرضها حين كانت مفتوحة الأبواب لك لما وقفنا هنا الآن. 

اندثرت قرطاجة بوحشيّة حين انتقموا شرّ انتقام حسب توجيهات القنصل (فابيوس) سياسي مجلس الشيوخ العتيق والذي قرر أن ينقل معارك (هنيبعل) بعيداً عن أرض روما المهددة بعد 16 عاماً من انتصارات (هنيبعل) عليهم بأرض إيطاليا. 

خذله مجلس الشيوخ القرطاجي حين رفضوا أن يزودوه بالمحاربين وهو على أبواب روما وهي مهزومة بعد أن سحق لهم ثلاثة جيوش بمعارك متلاحقة، خذلوه لأن بعضهم خاف من سيطرته وبطولاتهِ حسداً وخشية أن يحقق المجد وحده (للقرطاجيين) وأرادوا كسره وتحطيم انتصاراته وتحجيم سلطتهِ، لكن قرطاجة دفعت الثمن باهظاً بخذلانه وانسحقت تحت حوافر الرومان، وحين عبرت جيوش الرومان البر الأوربي بعد أن حاصروا قواته في إسبانيا والتي كان يقودها أخيه ، ثم اصطادوا أخيه بكمين حين جلب جنوده من اسبانيا لنصرة (هنيبعل) ليجتاحا سوية روما، وجد مجلس الشيوخ القرطاجي أنفسهم بلا قائد وبلا حيلة فعادوا للاستنجاد (بهنيبعل) ليقود قواتهم ويدافع عن قرطاجة، لكنه انكسر بسبب الحسد والخيانات وتفتت حلفاءه الذين باعوا ولاءاتهم بسبب الخبث والدسائس الرومانية. 

وجدوه هاربًا في (بيثينيا) شمال تركيا وتجرّع السم كي لا يمنحهم شرف اعتقاله وقتله، وحين دخل قائد المحاصرين له وجد على طاولته أوراقاً دوّن عليها سيرته وتاريخ معاركه ووجدوا معه (قرطاجيّاً) يدوّن ما يسرده له (هنيبعل) فسأل: هل هذا كل ما دونتموه!؟ الكاتب المرافق لهنيبعل: نعم لقد كنت أدوّن ما يطلبه مني ويردده طيلة سنوات الاختفاء. القائد: إذا كان هناك ما يجب أن يُكتب عن هذا الرجل وإنجازاتهِ 

فيجب أن تفعلهُ روما، ثم رمى بكل الأوراق المُنجزة في موقد النار لتلتهمها. 

الآن لا نجد من يتأمل ويعلن الندم لترددهِ وخذلانهِ ويعترف بنزعة الحسد والغيرة والبغض لكل عملٍ وطني يبادر به أبناء الريف المحطّم ولا يكون لهم عليه سلطة أو وصايّة أبديّة!؟

كان بركان الثورة منفجراً للتوّ وصعق العالم وكل مراكز القرار الغربي الذي زرع الاستبداد والديكتاتورية في مزارعهم الحصينة وعملت الديكتاتوريات على سلب قيم المواطنة وتهشيم البُنى الاجتماعية وتغييب قياداته الوطنية ومنظماته المدنية واستطاع الطغيان تربية حديثي النعمة من متسولي أعمال وصغار الكسبة والمشايخ وتحويلهم لغيلان حقودة حاسدة لا تلتفت لهموم الشعب ومصير البلاد.

حين كانت الثورة عارمة واهتزت جذور النواة الصلبة لنظام العصابة الطائفيّة وبدأت تتحلل وتتفتت رعباً من ثورتنا وكانت الثورة قاب قوسين من النصر: وقفت المدن الكبرى وبتوجيه من مرتزقتها ورجال أعمالها حديثي النعمة ومن مشايخها وجُلّهم من صنائع العصابة وأزلامها، على الحياد، خذلوا الوطن والشعب والإنسان والقيم الراقيّة لأجل مكاسب تافهة وحسداً وخشية أن ينتصر الريف المهجور والمنهوب طيلة نصف قرن وخشية أن يتسيدهم الرعاع كما كنا نسمع في فلتات ألسنتهم وهمسهم وكما عبر عن ذلك العبد: (فابيوس) البيت الأبيض بأنها ثورة فلاحين وأوباش.

 

 

محمد صالح عويد

كاتب سوري

 

Whatsapp