شقة مفروشة في تركيا


                                         

 

وصلتُ العنوان، وكان أحدهم في انتظاري لأستلم منه المفتاح، صعدنا سلم العمارة وهو يتكلم التركية معي بينما أحاول إفهامه بأنني لا أتكلمها، وحين فتح لي الباب شممتُ رائحة قديمة ومألوفة.

كان البيت يتألف من غرفتي نوم، واحدة للأطفال تحتوي على سرير مفرد زهري اللون، والثانية تحتوي على سرير مزدوج.

جلست في الصالون، لكنني شعرت مرة أخرى بتلك الرائحة، حاولت تذكرها من دون جدوى.

شغلت التلفاز فظهرت لي محطة عربية، وعثرت في درج المطبخ على بطاقات معايدة مكتوبة باللغة العربية داخل ظرف ورقي تقدم التهاني لطفلة اسمها "قمر" دخلت عامها الخامس، ولكن لا صورة لقمر.

في درج آخر عثرت على قالب معدني لصناعة الفلافل، وكيس ملوخية، 

وزعتر، وصابون غار، وزجاجة كولونيا برائحة الياسمين، وبقايا بن سوري في علبة بنية اللون، وأنا مازلت أحاول تذكر الرائحة التي أخذتني في الذاكرة إلى مكان أعرفه.

كان البيت مرتًباً وأثاثه شبه قديم، ما عدا السرير الزهري الجديد المتدثر بغطاء جميل مزركش عليه اسم قمر باللون الأحمر، وفي أعلى السرير كانت عين زرقاء تتدلى فوق الرأس.

صاحب هذا البيت يقيم في ألمانيا، وقد أجّرني بيته المفروش في تركيا لثلاثة أيام، لذلك تكهنت بأن عائلة سورية كانت هنا.

مازلت أبحث عن تلك الرائحة القريبة جداً من ذاكرتي من دون جدوى.

في الصباح الباكر أيقظني صوت رنين منبه لم أعثر عليه، هو في مكان ما تحت السرير، إنها الخامسة صباحاً.

لثلاثة أيام على التوالي يوقظني هذا الرنين في نفس التوقيت، وأسمع صوت أناس مسرعين في خطاهم وهم ينزلون سلالم العمارة إلى العمل.

في المساء، تعرفت على عامل سوري في المقهى القريب، أخبرته بأنني نزيل في الطابق الثالث في العمارة، فقال لي بأن عائلة سورية كانت تسكنه طيلة أربعة أعوام، الأب من عفرين والأم من حماة وطفلتهما قمر، وبأن السلطات قامت بترحيل الأب، فخافت الأم على ابنتها وهربت بها إلى عنتاب لتختبئ عند الأقارب، أما الأب فقد وصل إلى إدلب، لكنهم عثروا على جثته بعد أيام على مقربة من الحدود مصاباً بطلقات نارية، ولم تستطع زوجته وابنته قمر إلقاء النظرة الأخيرة عليه.

عدت الى الشقة وجهزت حقيبتي لمغادرة المكان فوراً، وقبل أن أغادر حملت البطاقات التي تتمنى الحياة السعيدة لقمر، وأخذت العين الزرقاء من على السرير. 

شعرت بماس كهربائي في رأسي، تذكرت الرائحة التي كنتُ أعرفها، إنها رائحة العمال المقهورين، كنتُ أتنفسها كل صباح في حلب.

 

 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

 
 
Whatsapp