البندول


 


 

 

 

تك. تك. تك

صوت بندول الساعة القديمة المعلقة على الجدار ينوس بين فراغين لا يغادرهما ويجدد دورته فيهما.

بندول الساعة لم يغادر مكانه وفضاء حركته منذ زمن بعيد، لا تعرف مدى التشابه والاختلاف بين بندول الساعة وحياتها، ولكن تشعر لأول مرة أنها معلقة على الجدار وبندول الساعة يتراقص أمامها ومثلها، تحاول أن تكتشف مقدار التشابه والاختلاف بينها وبين البندول والجدار، فالجدار ثابت في مشاعره وفي تأثره بالزمن لا يتحرك، إنه أصم أبكم لا يعرف لغة المشاعر أو الأحاسيس مهما حاولت الساعة ببندولها المتأرجح إسماع صوته أو صراخه أو ألمه.

والفضاء الذي يدور فيه بندول الساعة مشابه للفراغ المحيط بها في هذه الغرفة/البيت المغلق، البندول لا يغادر المساحة المخصصة له للحركة، وهي أيضاً تتحرك ضمن مساحة مشابهة داخل البيت الذي لا يختلف عن السجن إلا بحرية التنقل داخل فضائه المحدد.

 بدأت الأسئلة تلاحقها، ماذا لو تحرك بندول الساعة لمساحة أكبر من المساحة المخصصة لحركته ؟، أو أنّه غادر الساعة القديمة نهائياً ؟،

ما الذي يحدث لو أنها خرجت من فضاء الغرفة أو البيت إلى فضاء أرحب، تريد أن تتنفس الهواء مع الشجر وأن تعانق عيونها (جهة الضوء كما تسميها) أو تسبح في فضاء أوسع من هذا السجن.

أعدت لنفسها فنجاناً من القهوة وبدأت رائحة البن تثير الذكريات والأحلام والأماني والرغبات النائمة لديها، دائماً ما كان للقهوة عندها طقوس ومناخات وغيوم ومطر، لا تستطيع أن تشرب القهوة على طريقة أحلام مستغانمي إلا وفق طقوس وعوالم تحبها وتعشقها، ولكن الآن هي وحيدة في هذا البيت، من يشاركها رائحة البن ومناخه وهطول مطره على جسدها المتصحر من العطش، من يعيد لها دفء البن وحميمية نشوته وشهواته ورحيق أحلامه،

عادت مرة أخرى تراقب بندول الساعة، تريد معرفة الزمن الذي يستغرقه النوسان بين اتجاهين مختلفين تماماً، سألت نفسها:

ماذا لو توقف البندول في منتصف المسافة بين الاتجاهين؟، ما الذي يحدث للساعة وللزمن؟

ولكن هناك أسئلة أخرى تطاردها مع رائحة القهوة ونشوتها ومذاقها الجميل،

هل يمكن للوقت أن يتوقف عند أحلامها ورغباتها في منتصف المسافة؟

وأن يبقى فنجان القهوة دافئاً وساخناً مثل جسدها المفعم بالرغبات والعشق والجنون؟

فجأة قررت أن تحرك البندول باتجاه اليمين أكثر من المسافة التي يقطعها بالاعتياد، ولكن البندول عاد لحركته السابقة، قامت بتحريك البندول إلى اليسار أكثر، ولكن بندول الساعة عاد لمنتصف المسافة بين الاتجاهين وبدأ ينوس بينهما، سألت نفسها هل نغير الزمن وبندول الساعة؟، أم نحن من يجب أن نتغير فيتغير من حولنا كل شيء ؟، الأشياء والأشخاص والعوالم والأحلام والرغبات.

لا تعرف، أين يكمن السر؟، هل يكمن في الزمن والوقت أم في الأشخاص أم في محيطها وعوالمها؟

مازالت هي وبندول الساعة ينتظران أجوبة لأسئلة كثيرة، ومازالت رائحة البن تنبعث من مكان بعيد تشدها إلى طقوس ومناخات وعوالم سحرية فيها الكثير من النشوة والرغبات والاحلام، ومازال الجدار محافظاً على صمت القبور، فيما هي تغلي مثل البن في الفناجين تبحث عن أحلامها ورغباتها في أفق مفتوح لكل الاحتمالات.

 

 

أحمد مشول

شاعر وناقد سوري

 
Whatsapp