نيرفانا الصعود


 

 

 

الشعر هو وضعُ استراتيجية ممكنة للحياة لتأجيل المواجهة مع الموت.

هو احتياطيُ ذهب الكلام في بنوك اللغات الوطنية. البورصة التي ترتفع فجأة ولا تهبط ابداً، خيمة مشردي الحروب عندما تقتلعها الريح وتطمرها الثلوج، فردة حذاء الطفل الذي فرّ من الموت قبل أن تسقط القذيفة، رغيف الخبز الساخن في خيال مهاجر خَبِر الصقيع، الخطوط الدقيقة حول عيون جميلة تستنطق مرآتها عند الصباح، وهلة القلب الذي يقفز ذات لقاء غير منتظر بعد أن زرع شرفة التمني جيئة وذهابا.

هو ما لا نقول حين تأخذنا الدروب الى مكان آخر. 

الشعر يا للشعر كيف يشد جلد عمرنا المترهل ويحقن وجوهنا ببوتكس السعادة، ويشفط زوائد ثرثرتنا، وينحت قوام قصائدنا ويجدد فينا الشغف والعشق كلما شاخت أحلامنا. 

الشعر يا للشعر كيف يتربص بالصبايا على بوابات المدارس ويطفئ زره الأخضر على صفحات الفيس بوك ونحن نعرف أنه يتصفح (بوستاتنا) خلسة ليرى ما إذا كان هو المقصود...

ربما هو ذا الذي يأخذك إلى الحياة بكثير من الإلفة وإلى الموت بكثير من الخفة...؟!!!!! لا أدري.

داخل الشعر تفتش البنات عن رجل يكتب فيهن ما يتمنين سماعه. 

داخل الشعر يموت العاشق شوقاً عندما يلمح قصيدة تشبه حبيبةً هجرته.

خارج الشعر تقف على رصيف محايد تمر دونك سيارات الاسعاف وسيارات الجنود والمساجين وأنت أبله لا تكترث.

داخل الشعر تقف روحك فوق الأرصفة تنتظر وتتمتع بكل من طرطشها من سيارات العشاق، وأنت تحمل مظلة الأغاني وصوت فيروز.

داخل الشعر أنت في منطقة الجذب المغناطيسي الذي لا يشدّ كي لا ينقطع ولا يفلت كي لا ينتمي.

داخل الشعر أنت على النقطة الساكنة التي يسميها المتصوفة بنقطة الصفر التي تربط مبتداها بمنتهاها.

 هو إسوارة الحيّة التي تعضّ ذيلها في متحف الإنسانية، وجرّة الدمع الصغيرة جداً التي تستعملها النساء قديماً لتفريغ آلامهن في فخارة الزمن، ولربما الزاوية الحادة من مثلث متوازي الحياة والموت، أو السهم الذي يطلقه الوقت إلى الأمام فلا يعود للخلف ابداً، لكنه يبقى مغروساً على شاشة أرواحنا المعلقة على حائط من وهم....

هل قلت إنه نيرفانا الصعود الذي يطير عالياً وشاقولياً وليس أفقياً؟!! أم نقطة الماء التي تفلق الصخر بهدوء شديد وتأنٍ مزمن دون ضجيج الضرب وقساوة الطرْق؟!!

هل قلت إنه الفرن الذي يضع الكربون بدرجة حرارة عالية جداً ليتحول إلى ماس صقيل؟!!

أنا لم أقل إنه لا يشعل الكامن فينا أو يكمن في المشتعل بل مَنْ يحقق زلزلة الساكن والصامت والمسكوت عنه.

ما جدوى أن نكتبه اليوم ونحن ندرك أنه رقصة في عتمة الموت ؟!

آه لو أنك عرفت يا جان كوكتو لماذا هو ضرورة وأخبرتنا؟!

يا لحماقة الشاعر ...

 

 

ابتسام صمادي

شاعرة وكاتبة سورية

 
Whatsapp