إن هذا الكيان لا يهدد تركيا فحسب، بل إنه يفتح الباب أمام لجوء المزيد من النازحين السوريين إلى تركيا بسبب إرهابه الذي نشره في المنطقة عنوة من خلال الأسلحة الأمريكية وعناصره بفضل الدعم الذي حصل عليه من واشنطن.
وإذا كان هناك من يريد تقديم هدية إلى تنظيم ب ي د الإرهابي، فعليه أن يفعل ذلك – على الأقل – دون أن يزعج أحدا أو يتسبب في نزوح الآلاف من المظلومين بالقوة بعد تعريضهم لعملية تطهير عرقي. فلا يحق لأحد أن يقدم هدية لشعب على حساب ظلم شعب آخر.
إن مشكلة الشعوب المهجّرة تعتبر مشكلة قائمة بحد ذاتها داخل سوريا، لكن اضطرار تركيا لتحمل فاتورة هذا الأمر بمفردها يعتبر مشكلة أخرى. فهذه الأمور مجتمعة تعطي الحق الكامل لتركيا للتدخل في الكيانات الموجودة في المنطقة.
عندما ننظر إلى من يغضون الطرف عن حق تركيا هذا ويعترضون على عملية نبع السلام، نرى بوضوح مشاركتهم جميعا في سفك الدماء سواء في سوريا أو سائر دول العالم. فالذين ينددون ويوجهون أصابع الاتهام عندما يفعلون ذلك دون أن ينظروا إلى حالتهم يكونون – في الواقع - قد برهنوا إلى أي درجة النظام العالمي في حالة يرثى لها. هل أنتم متخيلون؟ إسرائيل تتهم تركيا بـ"احتلال المناطق الكردية". فلا يكفيها أنها تمثل أقذر أشكال الاحتلال. ولقد كانوا قد وضعوا دخل عقولهم مخططا لاحتلال الأراضي السورية في صورة "دولة كردية". إنهم يعبرون عن مخاوفهم إزاء احتمالية أن تنفذ تركيا عملية تطهير عرفي المنطقة. يزعمون أن إسرائيل تحب الأكراد وتشفق عليهم أكثر من تركيا. ألا لعنة الله على شفقتكم، فليس هناك أي مواطن كردي شريف يعلق آماله على هذه الشفقة.
غض الرئيس الفرنسي ماكرون الطرف عما تعيشه تركيا منذ سنوات بسبب الأزمة السورية، مثلما فعل أعضاء الكونغرس الأمريكي، ليقول "إن تركيا تنسى أن أولوية المجتمع الدولي في سوريا هي مكافحة داعش وسائر التنظيمات الإرهابية الأخرى". ثم أضاف "تركيا على وشك التسبب في أزمة إنسانية يمكن أن تؤثر في ملايين الأشخاص، وهو ما يساعد على تأسيس داعش الخلافة من جديد."
إن هذه الكلمات – في الواقع – تظهر شجاعة (تهديدا)، وهي تشبه كلمات الفرنسي الذي أفشي سرقته. ففي الوقت الذي أراد فيه ماكرون إثناء تركيا عن السير في هذا الطريق، اعترف بقدرة بلاده على تحريض داعش من جديد لاستهداف تركيا. وأنا أخطاب السيد ماكرون، ما هي الظروف التي دفعت 3.6 مليون سوري في تركيا و3 ملايين سوري في لبنان والأردن و1.2 مليون سوري في ألمانيا لينزحوا من بلادهم؟ ألم يحدث ذلك بسبب السياسات التي أصررتم عليها في سوريا حتى يومنا هذا؟ وإن تركيا تتأثر بهذه المشكلة بالفعل، ولهذا فقد بدأت عملية نبع السلام لإيجاد حل دائم لهذه المشكلة. فأريحوا أنفسكم، ذلك أن تدخل تركيا لا يفضي إلى مشاكل كما فعلتم أنتم، بل يحل المشاكل، لا يقتل، بل يحيي.
الجامعة العربية تذكرت أخيرا أنها عربية، ولكن...
علينا أن نقرّ بأن التصريحات المصرية والإماراتية تأتي على رأس قائمة ردود الأفعال التراجيكوميدية؛ إذ أصدرت وزارة الخارجية المصرية، نيابة عن السيسي الذي قتل الآلاف من شعبه بانقلاب عسكري قاده وملأ سجون دولته بعدد كبير من الوطنين الأحرار من المفكرين وسخر قدرات بلاده لخدمة إسرائيل والقوى الخارجية، أصدرت بيانات جاء فيه "ندين بشدة العدوان التركي في سوريا. فما حدث يعتبره هجوما وقح وغير مقبول استهدف السيادة الوطنية لدولة عربية شقيقة". وبالرغم من أن الرئيس أردوغان رد على هذا الكلام بقوله "وماذا سيحدث لو أدانوا أو لم يدينوا؟"، فإن أغرب ما في الأمر هو التغاضي عن الدور الذي تلعبه مصر حاليا في ليبيا. فالسيسي كلف اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يدعمه في ليبيا، بتنفيذ انقلاب بعدما كانت ليبيا قد توصلت إلى اتفاق وطني وبدأ شعبها يسير في طريقه نحو تقرير مصيره بنفسه، ليحتل معظم أراضي ليبيا ويجرها إلى حالة من الفوضى العارمة. وها هو السيسي نفسه يدين هذه المرة تدخل تركيا الذي لا غبار على شرعيته وأحقيته. وكما قال أردوغان " وماذا سيحدث لو أدانوا أو لم يدينوا؟"، فهل بقي لك محل من الإعراب؟
الأغرب من ذلك أن رد الفعل هذا يصدر باسم العالم العربي أو الجامعة العربية، لماذا؟ لأنهم يزعمون أن تركيا تعتدي على سيادة دولة عربية شقيقة.
إن هذا الأمر في غاية السخافة. بل ويمكننا أن نضحك قليلا ضحكا مريرا إذا أردتم ذلك بطرح بعض الأسئلة البسيطة.
من تكون هذه الدولة العربية ذات السيادة؟ سوريا؟ عن أي سيادة يتحدثون وقد تقاسمت أراضيها سبع دول؟
هل أنتم مهتمون حقا بعروبة سوريا؟ وهل بقي لديكم احترام للعرب والعروبة؟ فماذا فعلتم لنصرة الشعب السوري الشقيق الذي إما يتعرض للقتل أو التهجير منذ ثماني سنوات؟
وبأي وجه تتذكرون هذا الآن في الوقت الذي لا تتذكرون فيه أن تركيا التي وقفت إلى جانب الشعب السوري ليست دولة عربية في الوقت الذي تخليتم فيه أنتم عنه؟
وهل هناك أي دولة عربية فعلت أي شيء لنصرة العرب الذين أزهقت أرواحهم وانتهكت حرماتهم وسرقت أموالهم في سوريا وليبيا واليمن ومصر؟
أضف إلى ذلك فإن تدخل تركيا ليس هجوما على أشقائنا العرب، بل دفاع عنهم كيلا يتعرضوا لمزيد من عمليات التطهير العرقي، كما أن تركيا تنفذ هذه العملية بالتعاون مع الأشقاء السوريين أنفسهم.
وأنا أدعو الجامعة العربية لتأتي وتتعلم من تركيا كيفية الوقوف إلى جانب أشقائها العرب.