لماذا يعترضون على ينبوع السلام


 

 

أميركا ومن يدور في فلكها تريد توريط تركيا بالمستنقع السوري وإضعاف حزب العدالة والتنمية وخلق الشرخ بينه وبين المواطنين الأتراك تمهيداً لإفشاله ودفع عملائهم المحليين إلى الواجهة السياسية بعد دعمهم مادياً وسياسياً ودولياً ليحلّوا محله في قيادة تركيا وفق معاييرهم الخبيثة، وإفشال مشروع العدالة والتنمية الذي يصطدم ويتعارض مع مشاريعهم المعدّة للمنطقة، تلك هي أهدافهم، وربما استغلوا اليوم الوضع الإقليمي وإرهاب تنظيم ( pkk ) المصنف عالمياً كتنظيم إرهابي وتمدد أذرعه الانفصالية في سورية (ypk . pyd . ypg) لإزعاج تركيا من خلال إنشاء (كنتون) يحاذي الحدود الجنوبية لتركيا ويقطع تواصلها البري مع جيرانها العرب، تركيا التي حسمت أمرها مؤخراً وقررت بتر تلك الذراع الانفصالية الخبيثة، التي باتت تهدد الأمن القومي التركي والسوري على حد سواء، وذلك بعد أن استنفذت كافة الوسائل الدبلوماسية مع داعمي ذلك التنظيم كالولايات المتحدة الأميركية ودول الإقليم. 

ويحضرني اليوم ما كتبه المؤرخ والكاتب الانكليزي (نورمان ستون) في العام ٢٠١٢ عبر التايمز البريطانية: (الأميركيون وضعوا هاتفهم قيد الانتظار، وأي اقتراحات من جانب وزير الخارجية التركي بفرض منطقة حظر جوي فوق شمالي سورية ستلقى رفضاً أميركياً بشكل دبلوماسي مهذب، وأخشى أن ينتهي الحال بتركيا وحيدة عندما يتعلق الأمر بتحرك مشترك في سوريا!!!). 

لا يريدون خراب تركيا وانهيارها اقتصادياً فهذا ليس بمصلحتهم على الإطلاق، والاقتصاديون يدركون ما أعنيه تماماً، يريدون من تركيا أن تبدّل من سياساتها وتوجهاتها وتبتعد ما أمكن عن نهجها الإسلامي الحالي، الذي يزعجهم أكثر ويقض مضاجعهم هو أنهم استطاعوا أن يغيروا نهج (المملكة السعودية) التي تحتضن أهم معلَمَين إسلاميين تاريخيين (الحرمين الشريفين) والكعبة المشرفة التي تشكل القبلة لجميع المسلمين في العالم، بينما وعلى عكس ما يريدون تمكنت تركيا رويداً رويداً وبخطوات محسوبة عبر التخلص من الحكم العسكري العَلماني التابع مسلوب القرار، والانتقال إلى حكم شعبي وطني انطلق من البلديات الخدمية والشخصيات التي لامست هموم المواطنين بشتى شرائحهم والتي أثبتت لهم بأنها تمتلك من الحكمة والنزاهة والخبرة والكفاءة ما يؤهلها لأن تستلم دفة قيادة الوطن وتحلّق باقتصاده وبتنميته حيث مصافّ الدول المتقدمة، وكان ذلك، ولينعشوا مشروع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي حيث عادت المفاوضات مجدداً لأجل ذلك، وقد أشار بعض المراقبين السياسيين بأن لعبة قد تم ممارستها من قبل عدة لاعبين في هذا السياق، فمن جهة كنا نرى أن الاتحاد الأوروبي يقدم لتركيا بعض الوعود لكنه لا ينفذها، ومن جهة أخرى نفذت تركيا الكثير مما طلب منها وكانت تتعهد أيضاً بتنفيذ بعض الأمور المطلوبة من قبل الاتحاد الأوربي، ولكنها لا تنفذها بحذافيرها، فبعضها كان يتعارض مع إرثها وثقافتها وتوجهاتها وباختصار فإن الجانبين كانا يماطلان بعضهما بعضاً في هذا الصدد ، وكلا هما كانا يدركان بأن هذه القضية ستطول إلى فترة زمنية غير معروفة، لكن تركيا وبعد أن تخلصت من حكم الجنرالات لم يعد همها الوحيد إرضاء الدول الأوربية والغرب عموماً فتوجهت نحو محيطها العربي والإسلامي وعززت علاقاتها بتلك الدول وأعادت تلك العلاقات إلى وضعها الطبيعي والصحي، فكان أن وثِق الشعب بقياداته الجدد ومنحوهم أصواتهم الحرة غير مرة لينطلقوا وينعشوا اقتصاد وطنهم وعملته المتهالكة في غضون سنين قليلة ويحولوا تركيا من دولة فاشلة اقتصادياً وقد أهلكتها الديون إلى بلدٍ منافس لأكبر اقتصاديات العالم، وهذا ما لا يريده الغرب أن يحصل وحزب العدالة والتنمية من يقود البلد، وللأسباب التي ذكرتها آنفاً، فهل سينجح الغرب في توريط تركيا وإضعاف دورها أم أنها قد وصلت إلى مرحلة من القوة تمكنها من استيعاب هذا المخطط وربما تطويعه وتحويله لمصلحتها وخدمتها ؟ 

 

 

محمد علي صابوني

كاتب سوري

 

 

Whatsapp