الاحتمالات الخمسة لساق عائشة


 

 

 

أستطيع إقناعكم بخمس روايات مختلفة لحادثة واحدة وستصدقون الروايات الخمس، وفي النهاية سأضع الحقيقة أمامكم وقد لا يصدقها أحد لأنها الحقيقة.

تقول الرواية الأولى لساق عائشة أن المدينة سقطت تحت احتلال داعش فجاء الخبر أشبه بكارثة إنسانية أن تسقط مدينة في نصف ساعة بين أنياب وحش، فصارت عائشة من نصيب أبي عمر التونسي لكن عائشة أقسمت لنفسها ألا يمسها أحد وهي على قيد الحياة،فأشعلت النار في الغرفة وأقفلت الباب، وحين تمكن الداعشي من كسر الباب استطاع أن يسحب عائشة إلى الخارج وفي المشفى بتروا ساقها عقاباً لفعلتها ولتكون عبرة للنساء اللواتي يفكرن بالتمرد.

الرواية الثانية تقول إن عائشة كانت تحمل وشماً على ساقها وهذا الوشم يخص الطائفة التي تنتمي لها، وحين وقعت مدينتهم تحت سيطرة طائفة أخرى وانتشرت الحواجز في كل مكان، وبدأت حملة التصفيات العرقية والطائفية، خافت الأم أن تقع ابنتها الصغيرة بين أيدي الوحوش، فقررت بتر ساقها لتنجو من الإعدام الميداني خلف الحواجز.

الرواية الثالثة تقول إن عائشة نزحت مع أول موجة نزوح باتجاه الحدود التركية، وضلّت طريقها هناك بعد أن أطلق حرس الحدود النار عليهم، ولم تكن تعرف شيئاً عن حقول الألغام على الشريط الحدودي، فانفجر بها لغم أرضي كلفها ساقها.

الرواية الرابعة تقول إن عائشة عاشت في مخيم "دوميز" تسعة أشهر وكانت تبحث عن عمل يوفر لها النقود لتصل إلى أوروبا، وتقوم بإجراءات لم الشمل لعائلتها العالقة تحت القصف والحصار، فعرض عليها أحد التجار أن يشتري منها كلية وهو يتكفل لها بكل تكاليف سفر العائلة إلى أوروبا، فوافقت عائشة ووقعت له على البياض، لكنهم في غرفة العمليات، وبينما عائشة غائبة عن الوعي، أضافوا بنداً آخر يتضمن ساقها الجميلة.

تقول الرواية الخامسة أن عائشة كانت جميلة جداً وكان يكفي فقط أن تلمس المرء ليصير حلواًأبدياً، وقيل عنها أن سكر الأرض كله يجري في عروقها، وأن دمعها عسل، وقيل عنها الشعر وكتبت فيها الروايات، وقيل إن أحدهماستعاد بصره حين مررت عائشة أصابعها على عينيه، وقيل إنها في الثمانين من عمرها أصابها السكري فبتروا ساقها.

الحقيقة أيضاً باتت احتمالاً وقد نكتشف أن أجمل الأشياء التي عشناها لم تكن حقيقة بل كانت احتمالا قبلنا به لأنه كان الأنسب والأجمل في فترة ما.

والآن وبعد أن قرأتم الروايات الخمسة لساق عائشة سأضع أمامكم الحقيقة والتي لن يصدقها أحدلأنها الحقيقة.

في العام ٢٠١١ تزوج شاب اسمه أحمد من فتاة اسمها نور وكانا يسكنان في حي بابا عمر في حمص، وبسبب الأوضاع الصعبة حينها والقصف اليومي قررا عدم الاحتفال، واكتفوا ببعض الأخوال والأعمام والمقربين، وتم عقد قران نور على أحمد، وبعد مضي بضعة أشهر قالت نور لأحمد بأنها حامل وكان لهذا الخبر فرح كبير شعر به أحمد الذي كان وحيد أخواته وكان يعاتب والديه على وحدته لكن أمه كانت سعيدة لأنه وحيدها من الصبيان فكانت تقول له:

  • وحدتك هذه أنقذت حياتك لأنك لن تذهب للجيش ولن تموت على الجبهات وأنت تقاتل أهلك.

دخلت نور شهرها التاسع وعلمت أنها تحمل بنتاً وقررت العائلة أن يكون اسمها عائشة لما يحمله هذا الاسم من معان وأهمها(ذات الحياء والحية، والتي يأمل والداها أن يطول عمرها في الحياة، وأن تعيش صاحبة الاسم تلك الحياة الرغيدة الطويلة،التي تكون مليئة بالسعادة والفرح والراحة)، وكانت نور تتلمس ساق عائشة مرات عديدة في اليوم الواحد وهي تتحرك داخل بطنها، وقبل أن يكتمل شهرها التاسع بأيام ماتت نور وأحمد والأخوال والأعمام والمقربين،قتلوا بقصف جوي على الحي ويقال أنهم انتشلوا جثة نور بعد يومين من تحت الأنقاض وكانت ساق عائشة لا تزال تتحرك.

 

محمد سليمان زادة

شاعر وكاتب سوري

Whatsapp