يُعبر مصطلح الأمن القومي عن الإجراءات والتدابير التي تتخذها الدولة بهدف حماية شعبها وأرضها من أي تهديد أو اعتداء، ويكون ذلك عن طريق حشد وجمع الجيوش، وتجهيز القوات العسكرية للدولة،لحماية حدودها، هذا في حال استقرار الدول المحيطة بها إقليمياً، أما إذا ما كانت تلك الدول أو بعضاً منها غير مستقرة ( كـ التي تنازع ثورة أو إسقاط النظام الحاكم فيها، وتمر بفترة تحرير أو مخاض لِما بعد الثورة بغرض السعي إلى الاستقرار)، يتصل الأمن القومي للدولة المجاورة لها حتى بالعمق الإستراتيجي، وخاصةً إذا ما توافرت شروطه كـ الاعتداء المباشر عليها أو التهديد بالعدوان الظاهر أو المُبطن، أو حتى إذا ما استشعرت تهديدات مستقبلية؛ سواءً عن طريق الوسائل الظاهرة البينة أو تلك التي ترتكز على العمل الاستخباراتي، من جمع المعلومات وتحليل البيانات والمراقبة الحدودية لتلك الدولة غير المستقرة.وبهذا يُعنى الأمن القومي بكل ما من شأنه تهديد القيم الداخلية للدولة، وكيانها، والطبيعي أن ينتج عنه فقدان ثقة المجتمع في النظام السياسي القائم على تسيير مصالح وشؤون الدولة، سواءً بفعل قوى خارجية أو داخلية، وسواءً تم ذلك التهديد بطُرق مباشرة أو غير مباشرة،بيد أن الأمن القومي بمفهومه الشامل(ظاهرة متعددة الجوانب والأبعاد، ولا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تتعداه إلى الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية).
إلا أن الدول تختلف في هذا الشأن، من حيث رؤيتها لنوع الأخطار المهددة لحدودها وأمنها القومي، وذلك باختلاف وضعية تلك الدول، فالعوامل التي تهدد الأمن القومي تختلف من دولة لأخرى، بل إن ما يحقق الأمن القومي لدولة ما قد يهدد الأمن القومي لدولة أخرى، وهناك حد أدنى يمكن أن تقبله كل دولة في نطاق تحركها الخارجي، ومن ثم؛ فإن أي تصرف من قبل الدول الأخرى يخرج عن هذا النطاق لابد وأن يواجه من جانب الدول التي تهدد أمنها مواجهةً تتناسب ودرجة التهديد، بما يقودها إلى فكرة الدوائر الأمنية التي بتهديدها يتهدد الأمن القومي للدولة، ومن أهم العوامل التي تهدد أمن الدول واستقرارها على المستوى الخارجي، هما المستويين الإقليمي والعالمي.
المستوى الإقليمي:
هذا المستوى يتصل بمجال العلاقة بين الدولة (الدول) وبين محيطها الجغرافي أو الإقليمي،أي بمعنى،مجال ما يُعرف بـ (النظام الإقليمي)، وما يدخل تحت هذا الإطار من علاقات التهديد أو التعايش أو التعاون، وأحكام ذلك كله.
المستوى العالمي:
يتصل بمجال العلاقة بين الدولة وبين المحيط العالمي، وخاصةً القوى الكبرى (الفاعل الدولي) والمتحكم في النظام العالمي، وما يدخل تحت ذلك الإطار أيضاً من علاقات التبعية أو الاستقلال أو التحالفات، وما يتبعها من أوضاع ونتائج، كما يوجد مؤشرينرئيسيين لتنبئبالتهديدات الخارجية، منها ما هو ذو طبيعة سياسية، وآخر ذو طبيعة عسكرية:
التهديد ذو الطبيعة السياسية:
هو فصل الدولة أو تجميد عضويتها في المنظمات السياسية الدولية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع دول ذات أهمية دولية، وفرض العقوبات على الدولة، بغرض الضغط عليها وردها عن قرارها،حيث يلزم في هذه الحالة لوجود أحلاف وتكتلات تتعارض
ومصلحة الدولة المُراد الضغط عليها، وهنا ينتفي العمل في العلن؛ ليحل محله العمل في الخفاء والذي يتم عن طريق عمليات التجسس،حيث تعمل الجاسوسية العسكريةالتي تُركز حول معرفة القدرات العسكرية للدولة، وما تقتضيه من محاولة الحصول على معلومات عن طريق التنظيم والتدريب والتسليح والنظريات الإستراتيجية التكتيكية للقيادات، وتليها الجاسوسية السياسية التي تهدف إلى التعرف على النوايا الخفية للقادة السياسيين للدولة وطبيعة القوى الداخلية ومدى تأثر الصراع بينها، ومن ثم الجاسوسية الاقتصادية التي تهدف لمعرفة القدرات المالية والإنتاجية للدولة، وقدراتها الصناعية، ومراكز الإنتاج الاقتصادي المؤثرة فيها،وآخرهاالجاسوسية العلمية التي تهدف إلى معرفة المستوى العلمي للدولة،ومعرفة أنواع الأبحاث الإنتاجية وأهدافها.
التهديد ذوالطبيعة العسكرية:
يتمثل في الهجوم المسلح على الدولة، أو حشد القوات المسلحة على الحدود، أو القيام بمناورات وتدريبات عسكرية على الحدود في أوقات التوتر، أو امتلاك دولة مجاورة لقوات مسلحة متفوقة في الأسلحة ذات الطابع الهجومي، أو إذا دخلت دولة مجاورة في حلف عسكري لا تتفق أهدافه ومصالحه مع أهداف الدولة ومصالحها القومية، أو إذا وجدت قواعد عسكرية لدولة كبرى على أراضي دولة مجاورة، أو تم فرض حظر على الإمداد بالأسلحة والمعدات، ولا شك أن أخطر تلك التهديدات هو الهجوم المسلح، والذي استمر كأحد أدوات تحقيق السياسة الخارجية للدولة، وأحد عوامل تهديد الأمن القومي للدول المجاورة، ومن ثم فالعدوان العسكري هو ظاهرة مستمرة، الأمر الذي يتوجب على الدول أخذه في الحسبان، وقياس القدرات العسكرية الأمنية والقدرات المستقبلية التي تتحدد على أساسها قدرة الدولة على حماية أمنها القومي.
بوجود التهديدين السالفين الذكر، ينتج عنهما عوامل تهديد ذات طبيعة اقتصادية واجتماعية، حيث أن مسألة الأمن القومي للدول مرتبطة ارتباطاً وثيقاً ومتسلسلاً؛ بأن يؤثر أحدهم على الأخر، سواءً نتج من الخارج إلى الداخل أو من الداخل إلى الخارج، أيإذا ما كان التهديد ذو طبيعة سياسية وعسكرية فهو من الخارج إلى الداخل وبدوره سيؤثر سلباً على البُعدين الآخرين (الاقتصادي والاجتماعي)، وأما إذا ما كان التهديد ذو طبيعة اقتصادية واجتماعية فهو من الداخل إلى الخارج، وبدوره سيؤدي إلى تزعزع في الكيان الداخلي للدولة لتكون عرضةً للتدخل الخارجي سياسياً وعسكرياً.
وهذا ما كفله المجتمع الدولي ذو الطابع العالمي، والمتمثل في (منظمة الأمم المتحدة) بأن للدول الحق في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية حدودها وأمنها القومي، من أي تهديد مباشر أو غير مباشر، وخاصةً إذا كان هذا التهديد متصل بزعزعة كيان دولة مستقرة.
وطبقاً لِما ورد في نص المادة (51) من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، حيث نص على: (ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس، بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق، من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه.)
وأيضاً لِما ورد في نص القرار الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 8 أيلول / سبتمبر 2006 (A/RES/60/288)، والقاضي بإستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، حيث نصت:اعتمدت الدول الأعضاء في 8 أيلول/ سبتمبر 2006 استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، والإستراتيجية هي على شكل قرار
وخطة عمل مرفقة به صك عالمي فريد سيحسن الجهود الوطنية والإقليمية والدولية الرامية إلى مكافحة الإرهاب، وهذه هي المرة الأولى التي اتفقت فيها الدول الأعضاء جميعها على نهج إستراتيجي موحد لمكافحة الإرهاب، ليس فحسب بتوجيه رسالة واضحة مفادها أن الإرهاب غير مقبول بجميع أشكاله ومظاهره، بل أيضاً بالعزم على اتخاذ خطوات عملية فردياً وجماعياً لمنعه ومكافحته، وتلك الخطوات العملية تشمل طائفة واسعة من التدابير التي تتراوح من تعزيز قدرة الدول على مكافحة التهديدات الإرهابية إلى تحسين تنسيق أنشطة منظومة الأمم المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب،
واعتماد إستراتيجية تفي بالالتزام الذي قطعه قادة العالم في مؤتمر القمة الذي عقد في أيلول/ سبتمبر 2005، ويستفيد من كثير من العناصر التي اقترحها الأمين العام في تقريره الصادر في 2 أيار/ مايو 2006 بعنوان (معاً ضد الإرهاب: توصيات من أجل استراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب).
فتمثل ذلك في أربعة أركان رئيسية تختص بشأن إستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وهُم على النحو التالي:
د. خالد عبد القادر منصور التومي
أكاديمي ليبي