المرأة العربية وحركة التغيير


 

 

تتميز المرأة العربية تاريخياً برجاحة العقل وحصافة الرأي وجودة الذهن، والاعتداد بالنفس ونبل الأخلاق وحولها تتمحور العائلة، وكانت مع الرجل حتى في الصراعات التاريخية، ولعبت دورًا مهمًا بجهدها ورأيها ورجاحة عقلها. ومرات كثيرة أنقذت الرجال في مواقف عدة، يطول السرد بقصص كثيرة بهذا المنحى.

في الحضارة الإسلامية برز دورها بشكل أكبر، فمنذ نشوء الدولة المسلمة الأولى والنساء المسلمات حضرن المعارك والغزوات مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فقسم منهن يعالجن ويداوين الجرحى، وقسم آخر يقاتل إلى جانب الرسول والصحابة وقسم آخر قمن بأعمال لوجستية لا غنى عنها، وكان للمرأة دورًا عظيمًا في ذلك الوقت، واشتهرت منهن نسيبة بنت كعب المازنية أم عمارة التي قالت عنها الباحثة العالمية ( المسز ماجنام) أن الدور الذي كانت تقوم به أم عمارة في المعارك، في ذلك الوقت، هو نفسه الذي تقوم به منظمة الصليب الأحمر والهلال الأحمر في عصرنا الحالي، وتكريماً لها ولما قامت به، أطلق على اسمها على كلية التمريض في الأردن في جامعة اربد ، للدور البطولي الذي قدمته .

لعبت المرأة عموماً أدواراً مختلفة تساهم في تطور المجتمع ونهوضه لاسيما خلال الحروب والكوارث فتحمل المرأة الجزء الأكبر من المشكلة على عاتقها، واقتحمت المرأة مجالات عدة وأثبتت جدارتها ومنها المجال السياسي والثقافي والاجتماعي، ففي سورية ولبنان ومصر وغيرها، أسست المرأة، والمرأة السورية تحديداً عدداً من الصالونات الأدبية وعدداً من الصحف أهمها مجلة الشرق والعروس، وتم إنشاء أول جمعية نسائية في الوطن العربي كانت في دمشق وبيروت وهي جمعية يقظة الفتاة العربية.

أثناء الربيع العربي الذي مرّ على انطلاقته قرابة عشر سنوات، كان للمرأة العربية دورًا كبيرًا وهامًا حيث صدمت مشاركتها الأنظمة الاستبدادية، التي ظنت أنها ستمتنع عن المشاركة خوفاً على سلامة حياتها فكانت ثائرة ومناضلة يداً بيد، إلى جانب الرجل في معظم المظاهرات والحراك المدني والسياسي،  ففي تونس تقدمت المرأة التونسية المظاهرات لإسقاط نظام بن علي، وفي اليمن اشتهرت المناضلة توكل كرمان التي قادت المظاهرات ضد نظام علي عبد الله صالح، ونالت جائزة نوبل للسلام نظراً للدور البطولي والانساني الذي قامت به أثناء الثورة .

اشتهر من سورية أيضاً في البدايات الثائرة طل الملوحي، التي إلى يومنا هذا ماتزال معتقلة في سجون نظام بشار الأسد تعاني من الظلم والقهر، ثم تلاها الكثير من النسوة، فكن رائدات مناضلات عظيمات تحملن مالا تطيق حمله الجبال أمام التوحش والهمجية والتعذيب حتى الموت، فضلاً عن الاعتداء الجسدي بكل أشكاله، ولا زالت الكثيرات منهن خلف القضبان، وفي كل الساحات تبوأن الدور الواضح والمهم الذي لن ينساه التاريخ.

في مظاهرات السودان أيضاً كان لمشاركة المرأة دورًا مهمًا، فاشتهرت منهن آلاء صالح التي اعتبرت أيقونة للثورة، والتي وصفت بتمثال الحرية عندما كانت تصدح بعبارة (ثورة) أثناء المظاهرات.

ونشاهد في الأيام مشاركة غالبية النساء في الاحتجاجات القائمة في لبنان، ومن النساء اللواتي اشتهرن في لبنان ريا الحسن وهي أول امرأة تشغل منصب وزير داخلية في الوطن العربي.

لا أحد يستطيع إغفال دور المرأة في محاولات التخلص من الاستبداد والنهوض عبر حراك الربيع العربي، فالمرأة هي نصف المجتمع، وهي التي تشرف على تربية النصف الآخر من المجتمع، ورغم رفع شعارات من قبل هذه الأنظمة الاستبدادية زوراً وبهتاناً الاهتمام بالمرأة وتحررها، لكنها كانت أي هذه النظم، وحشاً عنيفاً أمام احتجاجها السلمي فازدادت المرأة في الربيع العربي تمسكاً بقضايا التحرر من الاستبداد مع الرجل يداً بيد.

المرأة شعرت بفقرها السياسي نتيجة التغييب المقصود من الأنظمة الاستبدادية فبدأت تسعى لتنهل المعرفة السياسة مع ممارستها كعلم وفن وبرزت نساء كثيرات في الجانب السياسي في دول الربيع العربي. وطالما كان ركنا المجتمع الأساسي وهما المرأة والرجل يناضلان معاً، فحتمية التغيير قادمة لا محالة لأن دفع الاستبداد لابد أن يكون بركني المجتمع المرأة والرجل، ومن كل انتماءات المجتمع العرقية والاثنية.

أخيراً أقول لكل امرأة: لا تدخري جهداً في أن تكوني سبب التغيير وسبب النهوض لهذا المجتمع، بعد التخلص من الاستبداد، ثم تكوني أداة بنائه الأساسية، فكنت ولا زلت أيتها المرأة أساس في حركات التغيير التاريخية، وستبقين كذلك طالما تريدين وتسعين، ولا أحد اليوم يستطع تجنب السياسة لأن نتائجها واقعة علينا كلنا لا محالة رجلًا وامرأة، طفلًا وعجوزًا.

 

  آلاء العابد 

  كاتبة سورية

 
Whatsapp