الشعوب في العراق ولبنان تقوضان المشروع الايراني


بفاصل زمني لا يتعدى الأشهر القليلة انتقل مركز الحراك الشعبي العربي في المنطقة، من السودان والجزائر إلى العراق ولبنان، في حالة تأثر وتأثير متبادلين بين عموم بلدان المنطقة، وشعوبها، وذلك في سياق ربيع عربي بدأ في نهايات عام 2010 ومن الواضح أنه لن يتوقف عند حدود دولة بعينها، أو يتخذ له شكلاً معينًا، فهو دائم التجدد والانتقال، مشرقًا ومغربًا، رغبة وتحديًا في تقويض أركان منظومتي الفساد والاستبداد التي تسلطت وتحكمت بالمنطقة لعقود طويلة ومديدة. في ثورتي العراق ولبنان، المستمرتين، ما هو أبعد وأهم من أسبابهما ودوافعهما الداخلية والمباشرة مما ثارت عليه شعوب تونس ومصر وليبيا واليمن والسودان والجزائر، من مطالب العدالة والكرامة، ودولة القانون، والحريات العامة، وغيرهما من المطالب المحقة والمشروعة، ما هو يتعلق بالمشروع الايراني وطبيعته الطائفية، الذي تمدد بشكل خطير في المنطقة في السنوات الأخيرة، ووصل إلى اليمن من خلال الحوثيين، وإلى لبنان وسورية من خلال حزب الله، وكافة المليشيات الطائفية الأخرى التي تدخلت في سورية إضافة للتدخل الرسمي عبر فيلق القدس والإمساك بالورقة السورية كطرف فاعل فيها مع أطراف أخرى إقليمية ودولية. الحراك في لبنان والعراق في أحد أبعاده الرئيسة يثور على المشروع الإيراني في كلا البلدين ومن خلال حاضنته نفسها بشكل واضح وجلي، وفي مناطق اعتبرت قلاعًا له أو قواعد انطلاق ودعم وإسناد، يعبر عن ذلك هتافات المتظاهرين ومطالبهم (إيران برا ...برا، إضافة لحرق العلم الإيراني، وشعار كلن يعني كلن وحسن نصر الله واحد منهن) بعد أن ضاقت هذه الطوائف ذاتها ذرعًا بكل أشكال الالحاق والتبعية وأخذها رهينة وأداة لمشروعها السياسي القومي، وأخرجها من الإطار الوطني وجردها من انتمائها التاريخي وهويتها الأصيلة. لا غرابة بأن يرفع علم لبنان في ساحة التحرير وسط بغداد، وأن ترد ساحات لبنان، وأحرارها، بتحية ثوار بغداد، وما بينهما ترفرف أعلام الثورة السورية، واحتضان اللاجئين السوريين بصورة أخوية وإنسانية ردًا على عنصرية هؤلاء، باعتبار أن الدول الثلاث ساحة معركة ومواجهة مع المشروع الفارسي، الذي أقام له دويلة داخل الدولة في لبنان، ويتحكم بالعراق وكل مفاصل الحياة العامة والاقتصادية والسياسية فيه كمستعمرة له، وفي سورية التي أوغل بدم أبنائها الأبرياء. كل المؤشرات تؤكد أن المشروع الإيراني في المنطقة سيتقوض وسيشهد تراجعات كبيرة وخطيرة، وأنه بات في مأزق حقيقي أمام حالة الوعي الشعبي العامة، وخصوصًا في حاضنته المزعومة زورًا، وأمام أزمته الكبرى مع العالم، وحالة الحصار التي يواجهها من المجتمع الدولي التي بدأت تنعكس مفاعيلها على الداخل الإيراني الذي هو أصلاً متململ من نظام آيات الله، وسياساته الداخلية، ويواجه معارضة قوية ومتنامية، من خارجه، منذ أن وصل للسلطة، وداخلية بين أجنحته وتياراته المتعددة والمتصارعة. ثمة ما يفتح نافذة أملًا كبيرًا في مشهدي العراق ولبنان إزاء مواجهة المشروع الإيراني، لجهتنا نحن السوريين، الذي عانينا، وما نزال، من هذا المشروع ، الذي بدأ في سورية مبكرًا، وقبل الثورة السورية بسنوات عديدة، من خلال عمليات التشييع عبر التبشير ووسائل الإغراء والدعم، بتسهيل من نظام دمشق المتناغم مع نظام طهران طائفيًا، تحقيقًا لمقولة الهلال الشيعي الذي لا يخفي الايرانيون طموحاتهم في تحقيقه بأي وسيلة كانت تحقيقًا لمآربهم في الهيمنة والسيطرة على المنطقة وتغيير هويتها الذي استتبعوه حاليًا بعمليات التغيير الديمغرافي والاجتماعي في البلدان الثلاث. لقد كشف شعبا لبنان والعراق، بكل طوائفهم ومللهم، عن وعي عميق بوحدة مصير المنطقة ووحدة القضايا التي تواجهها أمام التدخلات الخارجية، في ظل غياب المشاريع الوطنية التي تحصن هذه الدول والكيانات، وتعمل على تمتين الروابط بين أبنائها ومكوناتها، على أساس المواطنة، وفي كل ذلك كان لإيران وأدواتها المحلية الدور الأكبر، وبالطبع يتم ذلك في حالة اختراق واضح للمنطقة، التي أصبحت ساحة صراع لمشاريع إقليمية ودولية في غياب المشروع العربي الجامع، الذي يحصن المنطقة ويحميها. جرت في السنوات الأخيرة محاولات عديدة للخروج من العباءة والهيمنة الإيرانية، ولكنها ووجهت بقسوة وقمع شديدين، أبقاها كالجمر تحت الرماد، وتعرض الكثيرون من حملة الراية الوطنية، من أبناء المكون الشيعي الأصيل، للاعتداء والقتل، ويبدو، الآن، أن الظروف كلها أصبحت ناضجة ومهيئة للثورة على هذا المشروع، وبالتلاحم مع المكونات الوطنية الأخرى، التي حددت مصدر كل بلائها ومرضها به، المتحالف مع قوى طائفية، مثله، تحمل النهج ذاته، وتسير على الطريق ذاته، سرقت البلاد وجوعت العباد وأذلتها. يبقى أن لسورية وشعبها ريادة التصدي لهذا المشروع السرطاني، مثله مثل المشروع الصهيوني، وأن ثورة أهلها فاتحة تغيير المنطقة، وإنهاء المشروع الإيراني_ الفارسي والقضاء على أحلام نظام ملالي طهران ودحرهم في جولة صراع تاريخي جديدة ومتجددة.

 

عبد الرحيم خليفة

 كاتب سوري 

 
Whatsapp