من يقرأ واقع هذه الأحداث والتساؤلات، يُدرك تماماً مدى الأحقية في طرح هذه التساؤلات التي صارت بمثابة أحجية لم يدرك البعض محاورها وما ترمي إليه، لا سيما أنَّ الواقع الراهن صار سيلاً من الأسئلة، ما يعيبها هو بقاؤها مهمّشة، بحاجة لإجابة ترضي الأطراف جميعاً.
ومجمل التساؤلات التي يخزّنها العقل العربي، يلفّها الكثير من الغموض، مع أن ما هو واضح اليوم يظهر الخط البياني لمصير مؤسي لغالبية الدول العربية، والمواطن فيها يُعد جزءاً لا يتجزأ منها، وهذا كلّه ألّب رأس ومعطيات واجتهادات المواطن العربي المقيم على أرض الولايات المتحدة، وأجبره على طرح العديد من الأسئلة التي تبحث عن حلول شافية، بدلاً من العقم الذي أصابها في الصميم!
من جملة هذه التساؤلات ما يصبّ في محور الأخبار والتحليلات وتكهّناتها، والاستطلاعات وتنوّع المقالات وإبداء الرأي حول ما يحدث على الساحة العربية، وما يمكن البحث عنه وإلقاء الضوء عليه، وهو: ماذا بعد ظهور مجمل هذه الأحداث، والصور التي تتزاحم محطّات التلفزة العربية، بأقنيتها المتنوّعة المعروفة وغيرها على تناولها، أضف إلى ذلك ما ينشر على صفحات الدوريات من مانشيتات مثيرة ومرعبة، بألوان شتى، وذات مغزى سوقي أريد من خلاله توجيه القارئ العربي إلى صور بيانية لم تعد في الواقع تثير اهتمامه، لكثرة ما نشر عنها، وإن كانت بحاجة للكتابة فيها وتعريتها، وتوضيح ما يحدث للقارئ الكريم، أينما وكيفما وجد، وإن تجاوز كتابنا وصحفيينا سلّم الكثير من الأولويات في الطرح، وتغييب جانب من المشاهدات، والحديث عن هذه المعضلة التي حلّت بالأمة العربية عمّا سواها، إلاّ أنَّ تحليلات هؤلاء الكتّاب، قد أخذت طابع الابتعاد كليةً عن قول الحقيقة، كما يجب أن تكون، غير متناسين في الوقت نفسه أنَّ هناك البعض من الصحفيين ممن نحترم آراءهم، بل إنّهم، يضعون النقاط على الحروف وبتجرد، بعيداً عن إرضاء عَمرو أو زيد من الناس.
لا يمكن أن ننكر في هذا السياق، ما يتناوله وبصدق وموضوعية، وجرأة صحفية زملاء صحفيو الرأي، والإبقاء على عدد منهم الذين لا نشك في قدراتهم وإمكانياتهم وصدق ما يكتبون، وتوقهم نحو الإقلاع بهذا الواقع المرير الذي يُعاني سيلًا من الأوجاع والأوهام، والترّهات التي هي بحاجة إلى تقشيرها كي يَسهل هضمها، ناهيك عن تشييع الأوهام التي ما زالت تصطاد في الماء العكر، وهنا لبّ المعضلة! ويذهب كتّاب وصحفيو رأي آخرون، في قراءة ما يحدث اليوم، سواء في سورية أو في العراق ولبنان، إلى منحى آخر، بحسب مزاجية الكاتب، وهذا ما يُؤسف له!
في هذا لم يَعد يعرف القارئ إلى أي صحيفة، أو عن أي محطة تلفزيونية يبحث ويشاهد ويتابع ما تبثّه من برامج، وما هي حقيقة كل هذه التحليلات، لهؤلاء الكتّاب والإعلاميين الذين يمطرونا بكم هائلٍ من المقالات المدبّجة؟! والسؤال: ما هو السرّ وراء هذا التسابق المحموم نحو نشر هذا الحجم من المقالات بطعم أو بلا طعم؟
هل السبب مادي، أم سواه. وإلاّ ما معنى ازدياد هذا العدد من الكتّاب الذين قفز تعدادهم بين ليلة وضحاها إلى المئات، يدلون بآرائهم أياً كانت بعيداً عن الواقع المعاش، أم أن الهدف هو إشهار الاسم، والإسهام في تحفيز المواطن وفرش الطريق أمامه بالورود والرياحين حتى يقف على أرجله، بعيداً عن قول الحقيقة، فأي مكسب مادي وأيّ شهرة صحفية يبحثون عنها في ظل تزييف الحقائق وتضخيمها؟!
في المقابل، نلحظ أنَّ نشر المقالات الصحفية، غير العادية وبكثافة، وفي مختلف الصحف العربية التي تصدر يومياً، وبصورةٍ خاصة في بريطانية، الحاضن الأكبر لعدد من الصحف الخاصة المعروفة، والتي صارت أشهر من نار على علم، أضف إليها الكتّاب والصحفيين الذين باتوا يشمّرون عن سواعدهم، ويستعرضون رؤيتهم حسب أمزجتهم الشخصية، ومع ذلك نقول، أنه من حق هؤلاء الكتّاب، أيا ًكانت خبراتهم ومواقعهم ومسؤولياتهم، من حقهم الإدلاء بدلوهم، وتناول ما يحلو لهم من موضوعات تصاغ يومياً، مشيرين إلى واقع متردٍ بغيض! وما نريده من الكتّاب والصحفيين، مراعاة مشاعر قارئ العربية، وتوضيح ما يجري من أحداث، بموضوعية، بعيداً عن تضخيمها وتصويرها بصورةٍ مرعبة، علاوة على دمج ما يحدث بصحة الممارسة الواقعية للمواطن الذي يشكو من آلام كثيرة، ويعاني في الوقت نفسه من عوز وفقر مدقع، وتشرد وضياع وبؤس وموت ودمار، لم يخلص منه أحد!
وقلّة فقط ممن ساعدتهم ظروفهم وإمكانياتهم المادية على النزوح أو الهرب والاغتراب تمكنوا من إعاشة أسرهم وإنقاذ أهليهم، ويظل صاحب القلم هو الأسمى في نقل الحقيقة التي نريدها أن تجسّد واقعاً حقيقياً ليعيشها المواطن كما هي، لا كما يريدوها أن تكون وحسب هوى وأمزجة تغرد بعيدا عن الهم اليومي للمواطن السوري في كفاحه ضد المجرم بشار الأسد.
عبد الكريم البليخ
صحافي سوري