تخيل أنك بعد فقدانك كل شيء، لم تفقد شيئاً! لا تتعجبوا أنا من وضع لكم إشارة التعجب! عندما تنتزع من زمن البراءة بقوة الغدر والسلاح وبهمجية الأوغاد، وعندما يتخلى عنك العالم أجمع، ويغيب الضمير، وتصبح معلقاً بين الأرض والسماء، إن مشيت تعثرت وأن أفلت يديك وقعت، غياب كامل وفراغ مرعب، لكنك ستتعب إما أن تتعثر وإما السقوط.
بعد معاناة طويلة وقعت، نظرت إلى أسفل فراغ بلا لون ورياح باردة تلعب بك، استسلمت لمشيئة القدر، أغمضت عينيك، وكاد قلبك أن يتوقف، قبل الارتطام، بلحظة شممت ريحة حطب، وتلمظت بطعم الهيل.
ترددت هل أفتح عينيًّ وأستفيق أم أستسلم، لكن الدفء يوقظني من جديد ويحتويني، الأيادي ممتدة باتجاهي، والعيون متلهفة لملاقاتي، يرتطم جسدي بهدوء جميل، والكل من حولي يسندوني ويخافون أن أميل ولو لحظة.
إنهم أهلي وأقاربي وأحبتي، أنا لا أحلم إنهم امتداد لي، كريات الدم تصرخ في عروقنا تشعرنا بالحنين، رباط شرعي لم نفقده بعد، فشجرة العائلة ليست أوراقاً مرسومة بل نبع حنان وشلال متدفق، شيء من الواقع المندثر، فوجوههم مرايا سحرية تعكس ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، عائلة حقيقية متماسكة، كيان دافئ، وطن صغير وسور منيع، حنان وطمأنينة، أستطيع أمامهم أن أبكي وأضحك، أنام لأستريح، أسترسل بالحديث دون أن يتذمروا، أخطئ ويصوبون، عند مرضك تحتاج لدواء ويغنيك عنه وجود الأحبة، الأهل والقرابة هبة من الخالق، فهم ملاذنا في عالم بلا قلوب، ماذا نفعل إن احتجنا إلى حضن يؤنسنا في غربتنا؟ وحتى البعاد عن أهلنا قلوبهم تأبى النسيان، ليتهم بجانبنا يمسحون دموعنا ويبددون أحزاننا، نحن دائمو الحنين لمرتع دافئ، لا تطفئوا قناديل أسرتكم حافظوا عليها بكل ما تملكون، أهلنا سابقاً زرعوا الود بيننا، عائلتي كضحكة مطر تبلل روحي بالحب، كل أمجاد الدنيا لا تعادل جلسة عائلية واحدة، فهي حضن واسع بين أفرادها كلمات وأسرار، وهذه العائلة تتسع لتشمل ذرية الطرفين، قلوب صغيرة تحمل كل النعومة والجمال والطيبة والحنان، عصافير حب نحميهم ونحتفي بهم، عندما تأخذهم لحضنك وتضمهم إلى صدرك، شعور غريب يتملكك، تود أن تهديهم باقات محبة ملء السماء والأرض، فهذه البراعم من تلك الورود.
عائلتي ثروة حقيقية تحميني من غدر الزمن، هل سامحتموني على أننا لم نفقد شيئاً بوجود العائلة المحبة المتماسكة، فلا زالت أحاسيسي إيجابية بوجودي بينهم، فالحياة مواقف وعندما تتفانى عائلتي أمامي ولا تنتظر شيئاً بالمقابل فكيف لي ألا أكون مطمئنة، فهذه العائلة جزء من هذا العالم الشاسع، ونموذج جميل للعلاقات، يقرصون أذني بلطف مرددين عيشي حياتك فنحن معك، شيء من الواقع المندثر لكننا نعيشه ونستمتع، سأحافظ عليهم وأتواصل معهم بكل جوارحي، إن أصابهم الضرر توجهت السهام إلى قلبي مباشرة،
وإن كانوا بخير نمت قريرة العين، أنا لا أصارحهم بمكنون قلبي لكنهم يعرفونه ويلامسونه ولو بنظرة راضية أو لمسة حانية، لا ينتظرون أي شي، ولكنهم متأكدون أن روحي رخيصة لهم ولأولادهم، القرابة تحتاج إلى المودة والمحبة وليس العكس، عائلتي الآن في كل أرجاء الأرض ليس هناك مغناطيساً لأبقيهم بجانبي ونكون معاً، ولكنهم يعيشون معي بكل ثانية، أنتظر مريضهم ليشفى، وحزينهم ليسعد، من روائع الحياة وجود الكثرة من الأقرباء والأهل والأصدقاء الأوفياء، طوبى لأهلنا من غرس في قلوبنا هذا الود والتعاضد سلاماً لأرواحهم الهائمة بيننا، ليست العبرة بمكان تواجدنا بل بتحاببنا وتواصلنا، فالأسرة هي عماد لهذا المجتمع الكبير، أنى لنا أن نكًّون أسرة كبيرة بحجم قلوبكم.
إلهام حقي
رئيسة قسم المرأة