التواصل العلمي 92


 

 

 

عندما يُذكر مصطلح العلوم أمام أي شخص؛ فقد يتبادر إلى ذهنه للوهلة الأولى عدة مفاهيم مثل، الدراسات والبحوث وغيرها، ولكن ماذا عن مصطلح، التواصل العلمي، والذي يجد العلماء فيه شغفاً حقيقياً في كشف أسرار وعجائب العلوم ونشرها إلى عامة المجتمع بصورة مُبسطة.

حيث يُخيل إلى الكثير من عامة المجتمع أن المفاهيم والأفكار العلمية صعبة الفهم وجامدة، فضلاً عن كونهم غير مُدركين لأهمية هذه المفاهيم، ولهذا السبب ظهر مصطلح التواصل العلمي على الساحة، وبدأ في الانتشار بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

أولاً: مفهوم التواصل العلمي:

هو مفهوم يُعنى بفن عرض وتوصيل المعلومات العلمية المعقدة إلى عامة المجتمع بأسلوب مُبسط دون التعمق في أية معادلات أو تفاصيل من شأنها أن تعرقل عملية توصيل المعلومة، أو قد لا يعرفها سوى المتخصصين،

 والغرض منه عمل جسر يربط بين الأشخاص الذين يعملون في البحث العلمي ومجموعات وشرائح مختلفة من عامة المجتمع، وهي أيضاً لعمل علاقات بين العلماء والأفراد، وهذا على عكس ما كان قديماً، وهو كل شخص في عمله لا أحد يعرف الآخر، فالآن ومع تطور وسائل الإعلام والميديا وظهور التواصل الاجتماعي؛ كان لا بد أن تنشط العلوم وتنتشر وتظهر للجميع، وليس فقط لمن هُم مهتمون بها، بل تأتي أيضاً لمن هُم في منأى عنها.

وقد ظهر هذا المفهوم لأول مرة في بريطانيا منذ حوالي 40 عاماً، وكان هذا الظهور نتيجةً لعدة عوامل، ومن أبرزها: زيادة عدد الأوراق العلمية التي تظهر وتُنشر في جميع المجالات، مثل العلوم والصحة والطعام، 

والهندسة، والتكنولوجيا.

و أيضاً ظهور عديد التطبيقات لهذه الأبحاث التي تُنشر، ونحن في استخدام يومي لها، مثل، الهاتف النقال، والحاسوب الشخصي، والأدوات الكهربائية، ومصابيح الإضاءة، وغيرها من الأغراض المستعملة لدى عامة المجتمع، فكان لا بد من ظهور مصطلح جديد يربط أصحاب تلك الأبحاث بعامة المستخدمين لتطبيقات تلك الأبحاث، ومع ذلك الانتشار ظهرت إحصائية تقول: أن عدد قراء الأوراق العلمية والمهتمين بها حوالي 0.6، أي أقل من الواحد الصحيح، حيث أن هذه النسبة الضئيلة توحي بعدم اهتمام شريحة كبيرة من عامة المجتمع بالعالم والمختص وبالأبحاث العلمية ذاتها؛ مما يوحي بضرورة تعميم وانتشار التواصل العلمي.

ثانياً: آليات تعميم وتنفيذ تجربة التواصل العلمي:

  1. عمل حصة ثابتة تخدم التطبيقات العلمية بطريقة بسيطة وسلسة؛ مثل معارض تشرح تجارب عظيمة بأدوات بسيطة تتواجد في المنزل، أو مثل الفيديوهات التي تشرح تجربة علمية كالأفلام الثقافية والوثائقية.

  2. يقوم المُعلم بشرح المبدأ والنظرية وتطبيقاتها، ومشاركة الطلاب في إعداد التجارب لهذه النظرية؛ مما يُنمي التبسيط والابتكار والمشاركة الفعالة لدى الطلاب.

  3. عمل ندوات بإدارة الشباب الجامعي المهتمين بعرض العلوم بأسلوب بسيط؛ للطلاب في المدارس، وعمل ألعاب حركية وعروض شيقة بمنهج علمي.

  4. تدريب الطلاب على عمل، سيناريو درامي لمسرحيات تُناقش قضايا علمية، ومن ثم عرضها كمسرحيات علمية شيقة.

  5. تدريب الطلاب على كيفية كتابة الأبحاث العلمية.

  6. تدريب الطلاب على كيفية الكتابة السهلة والبسيطة لخبر علمي، وكيفية صياغته، وسُبل مراجعته.

  7. تدريب الطلاب على كيفية التفكير العلمي، من حيث الطريقة والأسلوب مع السُبل والمناهج.

  8. عمل دورات تدريبية مكثفة لطلاب الكليات العملية، وذلك لكيفية تبسيط العلوم والتواصل العلمي، ومن ثم الاستفادة بهؤلاء الطلبة المتدربين بعمل ندوات ومعارض على مستوى الجامعة يشرحون فيها العلوم المبُسطة لطلاب الكليات النظرية والعلمية، ومن ثم يعملون ندوات في المدارس لطلابها.

  9. اعتماد وظيفة جديدة تكون مختصة لمن لهم القدرات والإمكانات لذلك، 

       وهي وظيفة التواصل العلمي في مؤسسات الدراسات والبحوث  

       العلمية، وتكون شاغل هذه الوظيفة هو المسؤول عن التواصل العلمي  

        وتبسيط العلوم لعامة المجتمع، بحيث ألا تكون هذه الوظيفة قاصرةً 

       على الجامعات أو المدارس فقط، بل تكون في المجلات والصحف، 

       ويكونون هنا مسؤولين عن صياغة الأخبار العلمية بأسلوب مُبسط،  

       وهذا أيضاً يكون متخصص ليس فقط فيمن لديه الموهبة والقدرات 

       لذلك، وإنما تمتد حتى إلى أن نجد سبيل في تمكينهم من إكمال 

       دراساتهم في هذا التخصص، ومن هنا نبدأ في تأسيس وحدات 

      متخصصة للتواصل العلمي بداخل الهيئات، وهذا عائد لنا بالنفع 

       والفائدة في كل المجالات.

ختاماً:

 وبهذا نستنتج أن كل العلماء الذين لهم باع في مجال تبسيط العلوم؛ ذاع صيتهم أكثر بكثير؛ من العلماء الذين يعملون في معاملهم فقط، وهؤلاء المشاهير استمدوا شهرتهم من تبسيط العلوم، لذلك؛ نحن الآن في أمس الحاجة إلى تعميم تجربة التواصل العلمي وتنفيذها أيضاً، وعلينا الاهتمام بالمبادرات وبالأخص التي تأتي من الشباب الذين لهم الموهبة والقدرة حتى وإن كانت بسيطة في تنفيذ هذه التجربة، وذلك كله من اعتماد وظيفة خاصة بالتواصل العلمي، و تعميمها في كل الجامعات الحكومية، وأيضاً المؤسسات الصحفية والإعلامية؛ حتى نستطيع تبسيط مسألة فهم العلم، وأيضاً في المساهمة الفعلية في خلق مستقبل جديد للشباب بحسب رؤيتهم له.

 

 

د. خالد عبد القادر منصور التومي

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية- ليبيا

 
Whatsapp